وهي كل حسْبه من القراء؛ فمن ذلك لم يجر فيها على نظام المؤلفين فيما يكتبون للقراء من قصة فيها اليوم والشهر والسنة، وفيها الزمان والمكان والحادثة؛ بل أرسلها خواطر مطلقة، لا يعنيه أن يقرأها قارئها فيجد فيها اللذة والمتاع أو يجد فيها الملل وحيرة الفكر وشرود الخاطر
ولم يكتبها - كما يزعم - رسائل أدبية عامة تتم بها العربية تمامها في فنٍّ من فنون الرسائل لم يُؤثْر مثلُه فيما نقل إلينا من تراث الكتاب العرب، ليحتذيه المتأدبون وينسجوا على منواله؛ بل هي رسائل خاصة تترجم عن شيء كان بين نفسين في قصة لم يذكرها في كتابه ولم ينشر من خبرها
وبذلك ظلت (رسائل الأحزان) عند أكثر قراء العربية شيئاً من البيان المصنوع تكلَّفَه كاتبُه ليحاول به أن يستحدث فنا في العربية لم يوفق إلى تجويده. على أنه كتاب فريد في العربية في أسلوبه ومعانيه وبيانه الرائع، ولكنه بقيةٌ قصةٍ لم تنشر معه، فجاء كما تأكل النار كتاباً من عيون الكتب فما تُبقى منه إلا على الهامش والتعليق وصُلْبُ الكتاب رماد في بقايا النار. . .
فمن شاء أن يقرأ رسائل الأحزان فليقرأ قصة غرام الرافعي قبل أن يقرأه، فسيجد فيه عندئذ شيئاً كان يفتقده فلا يجده، ولسوف يوقن يومئذ أن الرافعي أنشأ في العربية أدباً يستحق الخلود
قلت: إن الرافعي أنشأ رسائل الأحزان ليكون رسالة إليها هي، فهذا كان أول أمره فيما بينهما من الرسائل التي قلت عنها فيما سبق إنهما كان يتبادلانها على أعين القراء من غير أن يذيع السر أو ينكشف الضمير، ومن غير أن يسعى بينهما حامل البريد؛ ولقد ردّت صاحبته ردَّها على رسالته هذه برسالة مثلها بعثتْ بها إليه مع بائع الصحف والمجلات. . . ثم تتابعت رسائلهما من بعد على هذا الأسلوب العجيب
وسيأتي يوم يُدرس فيه أدب (فلانة) صاحبة الرافعي، وسيجد الباحثون يومئذ لوناً لذيذاً من البحث إذ يعثرون على رسائلها إليه في بعض كتبها ومقالاتها، وليس بعيداً أن يقرأ الأدباء يومئذ كتاباً جديداً بعنوان (رسائلها ورسائله) بتاريخها وزمانها وأسبابها، مقتبسةً مما نَشر ونشرتْ في الصحف والمجلات من مقالات وأقاصيص بين سنة ١٩٢٤ وسنة ١٩٣٦