للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

النفس هي وجودك وحقيقتك إلا النفس اللوامة والأمارة والمطمئنة. وأشار النبي صلعم إلى الأشياء الموجودة فقال عمّ (ربي أرني الأشياء كما هي) وعني بالأشياء كما توُهِّمَ أنها غير الله (تعالى) أي عرفني ما سواك من سائر الأشياء لا أعلم هل هي أنت أم غيرك؟ وهل هي قديمة أم باقية أم فانية؟ فأراه الله ما سواه، فإذا هي نفسه بلا وجود ما سواه، فرأى الأشياء كما هي، أعني رأى الأشياء ذات الله بلا كيف ولا أين لأنه هو تعالى هوية الكل بالحقيقة، واسم الأشياء يقع على النفس من الأشياء، فإن وجود النفس ووجود الأشياء شيئان في المشيئة التي عرفت الأشياء وعرفت النفس، ومتى عرفت النفس عرفت الرب، لأنه الذي تظن أنه غير الله ليس هو سوى الله، ولكنك ما تعرفه وأنت (لا) تراه، ولا تعلم أنك هو فإذا عدّمت إياك في ذاته بذاته لذاته علمت أنه كنه مقصودك وغاية مطلوبك وعلمت أن (كل شيء هالك إلا وجهه) أعين لا موجود إلا هو وجود لغيره مع وجوده فيحتاج (كل شيء) إلى الهلاك، ويبقى وجهه أعني لا شيء إلا وجهه، أعني لا نفس إلا نفسه، ولا وجود إلا وجوده، كذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تتبقَّ الدهر بَانَ الله) أشار بذلك لا وجود للدهر، وجود الله تعالى ووجود جميع الكائنات وجوده؛ ليس للأشياء من ذاتها إلا العدم جداً ووجودك ووجوده لا إله إلا الله وأنا لا أنا هو كما وجب وجوده وجب عدم ما سواه، فإن الذي تظن أنه غيره ليس هو غيره إذ لا وجود مع وجوده أنى وجوده ظاهراً وباطناً، ومن مات موتاً معنوياً عدمت ذاته وصفاته، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (موتوا قبل أن تموتوا) أي: اعرفوا نفوسكم واعرفوا ذاتكم العديمة لتعاينوا عين الهوية الحقيقة، وكانت كل حالة لله تعالى لأنه كان هو، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال العبد يتقرب بي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها) لأن حركاته وأفعاله كلها لله تعالى لا له فالذي عرف نفسه يرى وجود ذاته بل كان جاهلاً بمعرفة وجوده؛ فمتى عرفت نفسك ارتفعت في عينيك وعرفت أنك لم تكن غير الله تعالى. وحقيقة معرفة النفس أن تعلم (أن) وجودك ليس بموجود ولا معدوم، فإنك لم تكن كائناً ولا كنت ولا تكون تعرف معنى قوله: (لا إله إلا الله)، ولا وجود لغيره ولا غيره سواه، لا إله إياه، وليس هذا بل بتعطيل الربوبية لأنه لم يزل رباً ولا مربوباً، ولم يزل خالقاً ولا مخلوقاً، خلاقيته وربوبيته

<<  <  ج:
ص:  >  >>