وليطلب من مديرة الفندق استبدال أمسيته التي يستريح فيها ليعمل مع ماريا حين يكون ميشيل في إجازته، وليظفر فراري بكل ما تصبو إليه نفسه، وليتهم ميشيل، وليلفق له التهم، ولتصدق المديرة الحمقاء ما يُتهم به الفتى البائس الذي قضى عليه سوء طالعه أن يعاشر هؤلاء اللئام وأن يأكل من أيديهم كفافه، في حين كان ينبغي أن يكون شاعراً أو أديباً يسمو بأدبه على الأدباء. . . لا على خدم الفنادق. . . مسكين ميشيل! لقد كدر عليه هذا الإبليس المقتدر الملفق صفو حبه المضمر الذي يلذه بقدر ما يشقى به. . . وأثاره ومزق قلبه ما رأى من العلائق بين ماري وبينه، ما لم يستطع هو أن يظفر بشيء منه برغم كده وتضحيته وحرصه على التقرب من الفتاة والتودد إليها
وأخذت الدنيا تسمج مرة ثانية في عين الفتى، وتكتسي سربالاً أسود اللون قاتماً. . . وعادت نفسه الأديبة الشاعرة تختلج بما تختلج به نفوس الشعراء البائسين. . . وعاد يوماً إلى داره فوجد أمه تعالج سكرات الموت. . . فلما رأته أشارت إلى صليبها وهي لا تقوى على حمله، فأدناه من فمها فقبلته، ونظرت إليه بعينين مغرورقتين، ثم تمتمت بكلمات هي من غير شك دعاء له؛ ثم لفظت آخر أنفاسها. . . فذعر ميشيل وانخلع قلبه وطفق يبكي ويُعول، وينظم ألحانه فيسرها في نفسه
ولما عاد إلى الفندق بعد ثلاثة أيام، كان يحدث نفسه - إذ هو منطلق في الطريق - أن ماريا لابد عاطفة عليه، معزيته أحسن العزاء وألطفه، جالسة إليه تواسيه وتذهب عنه الحزن. . . وكان يتصورها معه في بهو المطعم تلاطفه وتظهر له الألم من أجل وفاة أمه. . . وأنه مستطيع لابد أن يظهرها على حبه، وأن يتعرف لها بمكنون قلبه. . . وصمم على أن يكون جريئاً مقداماً هذه المرة وأن ينتهز الفرصة ليقهر هذا العذول: فراري، وأن ينحيه عن فتاته مهما كلفه ذلك، فإن لم تصخ له وتنصره عليه، فلينصرف عن هذه الدنيا المخادعة، ولْيَلُذ بأطراف الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، فلن يعدم لقيمات تسد مسغبته، وقطرات من ماء تبل أواره. . . وهكذا تداعت هواجسه، وتسلسلت أفكاره؛ وكان كلما تمنى ألقى الشيطان في أمنيته، فذهب به مذاهب شتى. . . حتى إذا وصل إلى الفندق، وتسلم عمله، راح يتنسم ماريا ويتشمم عبيرها، ولكنه، وا أسفاه، لم يجد عندها شيئاً!! إنها سراب بقيعة!! لقد ذهبت ماريا. . . وذهب فراري. . . وذهبا معاً في يوم واحد، وفي لحظة