دون تصويره للطلبة المصريين تصويراً صحيحاً يغذي الروح القومية ويذكي في الشباب المتعلم نعرة الاعتزاز بالماضي المشرف، ويبعث في نفسه حمية التطلع إلى أن يكون لبنة قوية في بناء صرح بلاده، ويزيده حرصاً على الاضطلاع بمسئولياته كمواطن شريف في بلد لم يقصر مواطنوه في الماضي قريبه والبعيد عن أداء واجبهم الوطني بكل ما لديهم من وسائل
إن الأسلوب الذي ابتدعه الأستاذ الكبير فريد أبو حديد في كتابة (سيرة عمر مكرم) ليعد بحق فتحاً جديداً، بل فتحاً مجيداً، في تاريخ المؤلفات التاريخية المصرية
فقد استطاع هذا الكاتب الموهوب أن يلقي ضياء وضاء على تاريخ القومية المصرية، وأن يستخرج من الحقائق التاريخية المدعمة بالأسانيد، ذخيرة صالحة وغذاء شهياً للشباب المصري الذي كان إلى عهد قريب لا يجسر على تقليب صفحات الماضي خشية ألا يجد فيها ما يشرف
وقد كان لنا بعض العذر، فقد عودنا المؤلفون الأجانب والمترجمون المصريون أن نقرأ صفحات الماضي في ظلال التحامل على القومية المصرية، والانتقاص من قدر أمتنا النبيلة المجاهدة
وإن كان ما نتمناه أن يتاح لطلبة مدارس مصر الثانوية أن يطالعوا سيرة عمر مكرم، وأن يحرص كل مصري يحترم نفسه ويعتبر بماضيه على دراسة هذا السفر النفيس
أما المؤلف فأنا لا نستطيع أن نشكره لأنه قد دعانا إلى مائدته فقدم لنا لوناً من طعام فاخر لا عهد لنا به، فلما استوعبناه تفتحت شهيتنا إلى المزيد. وهانحن أولاء نغشى موائد الثقافة فلا نجد هذا الطراز من المؤلفات التاريخية التي نحن أشد ما نكون حاجة إلى تذوقها بعد ما تذوقنا من لذة سيرة السيد عمر مكرم
لذلك نطالب مؤرخنا النابغة أن يخرج لنا سلسلة من الكتب تكشف عن أمجاد ماضينا القريب تكون حافلة بالعظات البالغة، العظات السياسية والخلقية والاجتماعية على نحو ما ألفناه في كتاب عمر مكرم
فإذا اضطلع بهذا الواجب، وهو على مثله من النابغين فرض حتم، كان لنا أن نسميه بحق:(منصف تاريخ القومية المصرية في الأزمنة الحديثة)