للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يقولون قضية مسلمة وحقيقة مقررة، فالحق هو الذي لا يكون باطلاً، وليس الحق ما كان قائله أوربياً فانظر أبداً إلى ما قيل، ودع من قال!

ثم إنك سترى مدينة كبيرة، وشوارع وميادين، ومصانع وعمارات. . . فلا يهولنك ما ترى، ولا تحقر حياله نفسك وبلدك كما يفعل أكثر من عرفنا من روّاد باريس. وأعلم أنها إن تكن عظيمة، وإن يكن أهلها متمدنين، فما أنت من سودان أفريقية ولا بلدك من قرى التبّت. . . وإنما أنت أبن المجد والحضارة، أبن الأساتذة الذين علموا هؤلاء القوم وجعلوهم ناساً، أين الأمة التي لو حذف أسمها من التاريخ لآض تأريخ القرون الطويلة صحفاً بيضاً لا شئ فيها، إذ لم يكن في هذه القرون بشر يدوّن التاريخ تاريخه سواهم. . . فمن هؤلاء الذين ترى؟ إنما هم أطفال أبناء أربعة قرون، ولكنّ أمتك بنت الدهر لما ولد الدهر كانت شابة، وحين يموت الدهر تكون شابة. . .

لا. لا أفخر بالعظام البالية، ولا أعتز بالأيام الخالية، ولا أذكر لك الماضي لتقنع به وتنام، ولكن أذكره لك لأهز فيك نفسك العربية المسلمة، لأستصرخ في دمك قوى الأجداد التي قتلت وأحيت، وهدمت وبنت وعلمت، واستاقت الدهر من زمامه فانقاد لها طيعاً. . . إن هذه القوى كامنة في عروقك، قائمة في دمك، فليفُر هذا الدم وليثر ويضطرم تظهر ثانية وتعمل عملها.

لا تقل: ماذا يصنع طالب مثلي ضعيف في أمة قوية، فإن الأندلس المسلمة كانت بالنسبة لعصرها أقوى، وكانت روادها من طلاب الفرنجة أضعف، ولكنهم استطاعوا على ضعفهم أن يضعوا (هذه القوة) التي تعجب بها أنت، ويذوب فيها دين غيرك وخلقه. . . إن الدهر يا أخي دولاب، والأيام دول. وإن في الشرق أدمغة، وفي الشرق سواعد، وفي الشرق مال، ولكن ينقص الشرق العلم فاحمله إليه أنت وأصحابك، وعودوا إلى الشرق شرقيين معتزين بشرقيتهم الخيرة العادلة، كما يعتز الغربيون بغربيتهم الظالمة الطاغية. واعلموا أن مهمتكم ليست ورقة تنالونها، قد تنال بالغش والاستجداء والسرقة. . . ولكن مهمتكم أمة تحيونها.

يا أخي!

إذا وجدت واسعاً من الوقت فادرس أحوال القوم وأوضاعهم في معايشهم وتجارتهم وصناعتهم ومدارسهم، وابحث عن أخلاقهم ومعتقداتهم، على أن تنظر بعين الناقد العاقل

<<  <  ج:
ص:  >  >>