كان يشفق عليه ويرحمه، ويأسو كلومه ويرأمه، قال منها:
إذا ما تعدت بي وسارت محفة ... لها أرجل يسعى بها رجلان
وما كنت من فرسانها غير أنها ... وفت لي لما خانت القدمان
نزلتُ إليها عن سراةِ حصان ... بحكم مشيبي أو فراشَ حصان
فقد حملت مني ابن تسعين سالكاً ... سبيلاً عليها يسلك الثقلان
كما حمل المهدُ الصبيَّ وقبلها ... ذعرت ليوث الغيل بالنزوان
فجاءت مواساة الشريف له سخية وفية، وعطفه براً سابغاً ضافياً، فقد لأم جروحه بقصيدة تفيض بالعطف أشطارها وتفعم بالود أبياتها منها!
لئن رام قبضاً من بنانك حادث ... لقد عاضنا منك انبساط جنان
وإن بُزّ من ذاك الجناح مطاره ... فرب مقال منك ذي طيران
وإن أقعدتك النائبات فطالما ... سرى موقراً من مجدك الملوان
وإن هدمت منك الخطوب بمرها ... فثم لسان للمناقب بان
مآثر تبقى ما رأى الشمس ناظر ... وما سمعت من سامع أذنان
من هذه الأبيات ندرك تعاسته وبؤسه، ونتبين آلامه وأسقامه، وما زال يغالب الزمان ويجالد الحدثان حتى أراد الله له الدعة التي طالما تمناها، وآتاه الطلبة التي كثيراً ما طلبها فعزت عليه. وافاه أجله وقد جاوز التسعين سنة حلب فيها الدهر أشطره فذاق شره مترعاً وقلما طعم خيره، وشرب كئوس البؤس دهاقاً، ولما ما ألمّ بالنعيم، ولقد كان في فتوته أسعد حالاً منه في كهولته وعاش في شبيبته أنعم بالاً منه في شيخوخته، وإليك حديثه عن ذلك في خيال صاف وديباجة مطرزة:
عجباً لحظي إذا أراه مصالحي ... عصر الشباب وفي المشيب مغاضبي
أمن الغواني كان؟ حتى ملني ... شيخا، وكان على صباي مصاحبي
أمع التضعضع ملني متجنباً؟ ... ومع الترعرع كان غير مجانبي
يا ليت صبوته إليّ تأخرت ... حتى تكون ذخيرة لعواقبي
وبعد تلك الإلمامة بحاله نتحدث عن نشأته وحياته: يروي ياقوت في معجمه أن أبا إسحاق إبراهيم بن هلال بن زهرون ولد بحران سنة ثلاث عشرة وثلثمائة هجرية، وأدركته منيته