لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر شوال لسنة أربع وثمانين وثلثمائة؛ فسنه على هذه الرواية إحدى وسبعون سنة، وهو يقول في تعزيز روايته تلك:(وذكر أبو منصور الثعالبي في كتابه (يعني كتاب يتيمة الدهر) أنه بلغ من العمر تسعين سنة والذي أوردته من تأريخ حفيده، وهو به أعلم) ويقصد بحفيده أبا الحسين هلالاً بن المحسن بن إبراهيم الصابي، ويعقب الأستاذ شارح معجم الأدباء على ياقوت فيقول:(إنما قال الثعالبي إنه خنق التسعين أي قاربها) والحق أن الثعالبي ذكر سن أبي إسحاق في موضعين فقال في صدر الحديث عنه، وهو بصدد التعريف به (وكان قد خنق التسعين في خدمة الخلفاء وخلافة الوزراء) ثم قال في نهاية الفصل الذي كتبه عنه تحت عنوان وفاته (توفي في يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة من شوال سنة أربع وثمانين وثلثمائة، وكانت سنوه إحدى وتسعين سنة قمرية).
وإني إلى تحقيق الثعالبي أميل لوجوه أعدد منها:
أولاً: يكاد أبو منصور الثعالبي يعتبر معاصراً لأبي إسحاق الصابي، فقد توفي أبو منصور عقبه بنحو خمس وأربعين سنة، وهو أمد قصير في أعمار التاريخ والمؤرخين.
ثانياً: السن التي ذكرها صاحب اليتيمة وردت في قصيدة لأبي إسحاق إذ يقول:
فقد حملت مني ابن تسعين سالكا ... سبيلا عليها يسلك الثقلان
وقد كان إنشاء هذه القصيدة قبل وفاته بنحو أربعة أشهر
ثالثاً: قد يكون حفيد أبي إسحاق صادراً في حديثه عن غير تروٍّ وتدبر للحقيقة، لأنه حديث يسمع وينسى لا كما يصدر حديث عن مؤلف يتحرى الصدق ويلتزم جادة الدقة؛ لأنه خبر يخلد ويبقى.
رابعاً: سن السبعين لا توهي جلداً ولا توهن عظماً، وإن كان صاحبها متزاحمة عليه النائبات مولعة به النكبات إلا في القليل النادر.
وسواء أكان موته عن إحدى وتسعين أم عن إحدى وسبعين فقد خلف في الأدب أخلد الأثر، وضرب في النبل والوفاء أصدق المثل، فلقد ولد ومات على دين الصابئة، والصابئون كما يقول الأمام الكبير الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى:(إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر. . . الخ الآية): (قوم يعبدون الكواكب ثم لهم قولان: الأول إن خالق العالم هو الله سبحانه، إلا أنه سبحانه أمر بتعظيم هذه الكواكب