واتخاذها قبلة للصلاة والدعاء والتعظيم. والثاني: إن الله سبحانه خلق الأفلاك والكواكب، ثم إن الكواكب هي المدبرة لما في هذا العالم من الخير والشر والصحة والمرض، والخالقة لها، فيجب على البشر تعظيمها لأنها هي الآلهة المدبرة لهذا العالم، ثم إنها تعبد الله سبحانه).
على هذا الدين ولد أبو إسحاق وعليه مات في عصر الإسلام فيه مزدهر والكلمة العليا له، والمكانة المكينة في العالم لرجاله، ولا فضل لمن لم يوله قلبه، ويهب له نفسه، وإن بقاءه على صابئته - على الرغم مما يحوطه ليدل أعظم الدلالة على أن الإسلام دين سمح، أساسه العفو والأمر بالعرف، والإعراض عن المشركين دون أن يصيبهم أذى، أو ينالهم حيف، أو تحل بهم نقمة مخلوق؛ لأنه دين العقل والحجة والمنطق والموعظة الحسنة، ولولا تسامح ذلك الدين القويم ما وجد مثل الصابئ كنفاً يلجأ إليه أو وزراً يحميه، فكيف وقد عاشر الخلفاء والأمراء والملوك والوزراء؟ وكذلك عاش أمثاله في رغد ورفهية؛ عاشوا موفوري الكرامة مرفوعي الرءوس مجدودي الحياة؛ ولقد بصر أبو إسحاق بالدين الإسلامي ورغب في الإسلام وألف قلبه، وأجزل له من أجل ذلك، فلم يهد الله قلبه للإيمان؛ لأنا لا نهدي من نحب، ولكن الله يهدي من يشاء؛ لذلك لم يصخ بسمعه إلى دعوة اليقين والداعون إليها هم سادته ومواليه وأرباب نعمته ومالكو زمام أمره إن شاءوا رفعوه وأعزوه، وأن أرادوا وضعوه وأذلوه. ولقد حدث التاريخ أن عز الدولة بختيار عرض عليه الوزارة على أن يسلم، فأباها مفضلاً أن يبقى على دين آبائه الغابرين؛ وإن وفائه لملته، وإخلاصه لنحلته لمصدر عجب لمن أراد العجب؛ إذ لم يعرف عنه أنه أرتكب أمراً حرم عليه، ولا جاء وزراً نهى عنه شرعه. ويروي المؤرخون أنه حضر مائدة للوزير المهلبي بن أبي صفرة، وكان أبو إسحاق من خلانه الأدنين وخلصائه المصطفين، فامتنع عن لون من ألوان الطعام محرم لدى الصابئة، فقال له المهلبي: لا تبرد وكل معنا من هذه الباقلاء. فقال: أيها الوزير لا أريد أن أعصي الله في مأكول، فكان موفقاً في إجابته مسدوداً في مجانته. وروي أن عز الدولة بختيار بذل له ألف دينار على أن يأكل الفول وهو مما يحرم أكله أيضاً في دينه، فرفضها متعففاً وهو الفقير إليها فأين من أولئك الذين لا يتناهون عن منكرات يجترمونها، ولا يتعففون عن محرمات يجترحونها غير مبالين ما ينتظرهم من حساب شديد وعذاب