عيني والمصباح. . .؟) ثم دس يده في درج المكتب فأخرجه ودفعه إلي وهو يقول:(ضع النصاب بين عينيك والمصباح وأنظر. ألست ترى سحاباً يترقرق بالدم كأن قلباً جريحاً ينزف؟ في شعاعه هذا النور تراءت لي هذه الخواطر التي تقرؤها في السحاب الأحمر. . .) ثم عاد إلى الصمت ولم أعد إلى السؤال. . .
أحسب أن الرافعي حين أنشأ السحاب الأحمر كان في حالة عصبية قلقة لست أعرف مأتاها ومردها، ولكن فصول الكتاب تتحدث عن خبرها في شئ من الغموض والإبهام.
لقد أنشأ الرافعي رسائل الأحزان ليكون رسالة إليها يتحدث فيها عن حبه وآلامه؛ ولست أشك أن صاحبته حين تأدَّت إليها رسائله قد فهمت ما يعنيه وعرفت ذات صدره، وأحسبها - وهي الأديبة الشاعرة - قد سرها أن تكون هي فلك الوحي لما في رسائل الأحزان من كل معنى جميل. أفتراها قد بدا لها أن تهيجه بالدلال والإغراء وقسوة العتب وتصنع الغضب لتفتنه وتزيده وحياً وشعراً وحكمة. . .؟
إن كانت هذه رسالتها إليه فما أراها قد بلغت بها إلا أن هاجت كبرياءه وأثارت نفسه، فكتب كتابه ولكن لغير ما أرادت وما قصدت إليه. . .
يقوم السحاب الأحمر على سبب واحد، يدور حول فلسفة البغض، وطيش الحب، ولؤم المرأة. . .!
على أن كل ما فيه لا يشير إلا لمعنى واحد: وهو أن قلباً وقع في أسر الحب يحاول الفكاك فلا يستطيعه؛ فما يملك إلا أن يصيح بملء ما فيه: إني أبغضك أيتها. . . أيتها المحبوبة!
وكما يفزع الشخص إذا حزبه أمره إلى أصدقائه يستعينهم ويستلهمهم الرأي في بلواه، كذلك فزع الرافعي في السحاب الأحمر، ولكن إلى أصدقاء من غير عالمه يستعينهم على أمره؛ فهذا صديقه الشيخ علي صاحب المساكين، وهذا صفيه وصاحب نشأته الشيخ أحمد الرافعي؛ وذلك أستاذه ومثله العالي في دينه الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده؛ وهذه أم ضل ولداها الحبيبان، وتلك زوج يفارقها زوجها الحبيب إلى السجن؛ وهذا، وهذه، وتلك، يحدثونه جميعاً حديثهم عن الحب في رأى العين، وفي رأى القلب، وفي رأى العقل، ويحدثهم حديثه. . . فما تلمح من أحاديث هؤلاء جميعاً إلا أن الرافعي في جهاد عنيف بين قلبه وعقله، يريد أن يثبت الغلبة لعقله على هواه ليخرج من أمر صاحبته برأيه وفكره