للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن الزمن عبء ثقيل على كتفيه يجاهد للخلاص منه ولو بالخلاص من الحياة، وكلما عاد بنظره إلى الخلف عجب كيف استطاع أن يقطع كل ذلك الماضي وكيف انصرمت أيامه والحمل لم يخف عن كتفيه، ولم يزل بينه وبين الخلاص أمد لا يمتد النظر إلى نهايته؟

الآن لم يبقى بينه وبين الحصول على إجازة كلية العلوم غير عام واحد يستطيع بعده أن يتقدم في ثقة بنفسه واطمئنان إلى مستقبله ليخطبها إلى أبيها، ولكنه حسب إن هو تعجل الحديث في هذا الشأن تفتحت أمامه الأبواب، وانزاحت الحجب، وانكشفت الستور، واستطاع أن يظفر بلقاء (خطيبته) على عين أهلها وأن يتحدث إليها بينهم. واغتنم فرصة سانحة، وما هي إلا أن استجمع شجاعته، فانطلق يحدث أباها، وأبوها ينصت إليه في هدوء. . لا شك أنه كان ينتظر أن يسمع هذا الحديث منذ زمن طويل، وأنه هيأ في خياله صورة هذا المجلس من قبل، فلم يلبثا أن تصافحا في حرارة وعزم، وقلباهما مفعمان بالسرور، وعلى أساريرهما بشر ناطق.

منذ ذلك اليوم أصبح حامد خطيب منيرة، وان لم تتناقل الأفواه هذا الخبر لأنهما حاولا أن يبقياه سراً بينهما حتى يحين يوم إعلانه، وأحس حامد بعض إحساس الملكية لشيء في هذا البيت الذي كان الناس يرونه كثير التردد عليه، ويدفعهم الفضول إلى البحث عن دواعيه، ولكن لم يتغير شيء مما ألفه حامد ونقم عليه وحاول الخلاص منه من قبل، فلا هو استطاع أن يرى خطيبته أو يتحدث إليها، أو يسأل عنها سؤال الشخص عمن يهمه، لقد زاد الحجاب بينهما. وزاد التكلف، وبدأ حديث حسين أفندي عن بعض شؤونه الخاصة فيه بعض الحذر وبعض التأنق، وهو مالم يكن معهودا بينه من قبل، وأصبح صاحبنا حامد يخجل أن يبدو منه بعض الاهتمام بشأن منيرة، حتى ليتحاشى أن ينطق باسمها، كأنه يحس في اختلاج شفتيه عندئذ لهفة مشتاق، وفي نبرات صوته رنين قبلة مكتومة، وإذا نطق به مرة ففي مثل مناجاة الحالم أو إقرار الخاطئ. ولم يكن حامد ليسره ذلك أو ترتاح إليه نفسه، لقد كان يريد بتعجيل الخطبة أن يكون أقرب اتصالا بصاحبته فإذا هو أبعد مما كان، ولقد صرح عن رغبته مرة أو مرتين فكان اعتذار حسين أفندي مضحكا حين نسب إلى أبنته الخجل والتأبي على ذلك فكأنما تأبى شيئا ترضاه، لقد كان حامد يريد أن يستوثق من حب صاحبته وثباتها على العهد قبل أن يسافر إلى القاهرة، ولعله كان يريد يتزود من حبها بما

<<  <  ج:
ص:  >  >>