والدمام، وسائر فنون التطرية. . . لقد كانت تجلب له حسناً مصنوعاً يغري المساكين من أمثال سيدنا الحَبْر الجليل المستر سلوب، فكيف وقد حازت هذا الثراء الضخم، والغنى الواسع، والدخل المضمون؟. . . إنها ما أغنى وما اقنى، فلم لا يغضي الحَبْر الجليل عن بعض العيوب التي جرها الشحم واللحم؟ ولم لا يذكر أنه هو الآخر ليس وسيماً قسيماً، ولا نحيل القد ممشوق القوام، ولا له لفتة الظبي ولا خيلاء الطاووس!؟ بلى، ينبغي أن يذكر لحيته الهائلة التي تحجب عين الشمس عما تحتها من وجه مكلثم، وصدر كأنه نصف جبل حملته ساقا عفريت. وهكذا ينبغي أن يخجل قلبه المنهوم بالجمال قليلاً، فنظرة خاطفة في المرآة تقنعه بمحاسن الأرمل السيدة بولد، ونظرة أخرى إلى ثروتها الكبيرة تجعلها أجمل حسان الدنيا.
ولكن قلب الحَبْر الجليل ليس من هذه القلوب الرطبة التي تقنع بصيد واحد، لا سيما إذا كان هذا الصيد وثناً من أوثان الدنيا التي تغري بالذهب، وتجذب بالثروة، وتتكلم بالدنانير. . لا. . ليس لمثل هذا الصيد يخفق قلب الراهب الذي يشغفه الجمال فهو ينبض له، وتجذبه مفاتن الحسن فهو يهيم بها. . . إن لمثل هذا القلب في هذه الدنيا حقوقاً يقتضيها من خدود الغيد وعيون الخرَّد الأماليد، وهو لا شأن له بالذهب الذي يضمن سعة الحياة ورغد العيش وإقبال الأيام. . . ومن أجل ذلك فليس لقلب المستر سلوب من هذه الأرمل الغنية نصيب، فهي صيد نفيس سمين لأطماعه، ومن أجل ذلك فلينطلق هذا القلب في دنيا الجمال ينشد صيده، فهو لا يعنيه أن يعكف على وثن من الذهب يتعبده ولا يهواه.
هذه هي السيدة. . . بولد. . . أما السينورة نيروني، فزوجة وفية للسينور نيروني من كبار رجال السياسة والطب، وقد تزوجها السينور لجمالها البارع، ولهذه الألغاز العميقة التي تمتلئ بها عيناها السحريتان؛ وتلك الظلال الحزينة الفاتنة التي تموه جبينها بمثل ظلال الغروب. . . وليس شك أن السينور يحبها ويحرص على مرضاتها، وأكبر ما يعطف قلبه عليها أنها مقعدة، أو كالمقعدة، لأنها أصيبت بلين في عظام ساقيها بعد أن بنى عليها. . . ولسنا ندري إذا كانت السينورة تحبه، أو تحب أحداً من العالمين. . . فلقد عبست للحياة وتنكرت لمباهجها وأول هذه المباهج الحب. . وكان السينور يفرط في منحها حرية الاجتماع بمن تشاء، والخلوة بمن تحب؛ وكانت هي كالعنكبوت الصناع التي لا تفتأ تنسج