للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شراكها للذباب، فلم يكن أحد يخلو إليها حتى تصمي قلبه بنظرة أو نظرتين من عينيها القتالتين فتزلزله ويصبح لها عبداً وبها هائماً وكأنما كانت تنتقم لنفسها من الناس فهي تعذبهم بالحب الذي لم تبُله، وتكوي قلوبهم بالغرام الذي لم تعرفه. وقد أولعت بذلك حتى صار طبعاً ثانياً لها، وهي لا تستحي أن تفخر بذلك وتباهي به، فتقول لأختها: (إنها لا تعجز عن إذلال قلوب الجبابرة وقسرهم على التمرغ تحت قدميها. . .) ولم يكن بدعاً إذن أن يكثر عشاقها حتى يربوا على العشرين. . . وكان أحرهم شغفاً بها هو هذا الحَبْر الجليل العلامة المستر سلوب، الذي لم يكد يراها حتى نسى نفسه ووسوس له شيطانه، فعقد أواصر بأواصر السينور نيروني، ثم بأواصر السينورة من بعد. . . وأي بأس في أن يحتفظ بالسيدة بولد لنفسه الأمارة الطماعة، وبالسينورة لقلبه المنهوم بكل هيفاء حسناء. . . لا بأس قط. . . فليضع في قوس كيوبيد وَترين عردّين، ولْير كيف يصيب بهذه القوس إن كان مثله يحسن أن يحمل مثلها. . . ثم ليكن جريئاً. . . فلا يبالي رجال الكهنوت وهذه المعاطف الفضفاضة السود، ومقالة السَّوء التي يثلبونه بها. . . وليزر السينور نيروني في الوقت الذي لا يكون السينور موجوداً فيه في منزله، ولا جرم أن السينورة ستلقاه حينئذ، وسيشرب في حضرتها قدحاً من القهوة. . . وربما أمرت له بكوب من نبيذ بردو يبعث الدم حاراً في عروقه فيزداد جرأة وإقداماً، وقد يجد الفرصة الجميلة فيكشف عن خبيئة قلبه لهذه السيدة اللعوب. . . ليس ضير أن يفشل مرات ومرات في البوح لها. . . على أن السينورة الحصيفة اللبيبة قد عرفت ما يجتاح قلبه من حبها لأول زَوْرَة من زياراته الصباحية المفتعلة التي حسب أنه شرفها بها. . . ولقد كانت السينورة واسعة الثقافة، بل كانت أكثر من ذلك، كانت فيلسوفة بفطرتها، تجيد الفلسفة التطبيقية في كل أحوالها. . . وكانت تجيد ذلك على الخصوص مع رجال الدين. . . فما بالك بحبر جليل من عظمائهم ينسى نفسه بين يديها، وينسى وظيفته في الحياة، وينسى دقات الناقوس التي توقظ الغافلين وينسى بيانه الذي يرهب به ويرغب. . . وينسى كل شيء. . . حتى صور القديسين والحواريين التي كانت تهاجمه كلما خلا إلى السينورة فلا يأبه بها، ولا يعنى بهتافها به كما يعنى بانتقاء العطور التي يضمخ بها نفسه، والبنيقات التي يحرص أن تكون نظيفة ناصعة، وبكل ما يظهره فتى في عين السينورة، من منديل جميل وقفاز جديد. . . و. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>