وذهب الراهب الوقور ليسأل كعادته عن السينور فلم يجده، وأدخل إلى السينورة فلم تعن به إلا كما يعني الصبية بغماز الشص ينبه عن فريسة السمك. . . ووجدها كدأبها دائماً مضطجعة فوق كنبة وثيرة عند مكتبها الفخم، وبيدها يراعها الأبنوس الثمين، وأمامها صحيفة تخط فيها كلاماً قالت عنه وهي تتخابث إنه خطاب أوشكت أن تكتبه للحبر الجليل. . . ثم مدت يدها الجميلة البضة لسيدنا الراهب فتناولها في يده المرتجفة، وانحنى برأسه الكبير ولحيته المنكرة فلثمها، وهو يخيل إليه أنه يسرق القبلة الذهبية من كنوز سليمان. . . يا له من منظر عجيب!! لقد كان شيء كبير هائل شائه كرأس ثور، ينحني فيبحث في زهرة يانعة جنى عليها المنجل فقذفها في طعامه. . . . . . بل كان أغرب من هذا. . . لقد كان كالتنين الهولة يغازل فينوس ربة الحسن!
- لقد أوشكت أكتب إليك، فأما وقد جئت، فلألق بما كتبت في سلة المهملات. . .
- لا. . . لن يكون مصير ما تتفضلين بكتابته إلى هذا المصير. . . لأحتفظ به إلى الأبد، فإذا كان لا بد من إبادته، فلأحرق له بخوراً ولألق به في ناره! أليس كانت ديدو تصنع مثل هذا؟
- أنا لا أحترم ديدو هذه أيها الأب. . . لقد كنت أوثر أن تكون ديدو مثل كليوبترة حين رأت ما حاق بحبيبها فآثرت أن تلحق به، حتى بين المطرقة والسندال. . . أيها الأب الكريم مستر سلوب، أرجو ألا تخلط بين جد الحياة وبين عبث الحب!)
وصبغت حمرة الخجل وجنات الحَبْر الجليل لأنه أيقن أن السينورة تعرض بما بينه وبين المسز بولد، وأنها تشتهي أن تذله كما أذلت عشرين عاشقاً لها من قبل. . . ثم لم تشأ أن تقسو عليه فقالت تعبث به متلطفة:
- ماذا؟ إني ما أزال أقولها لك في صراحة: لا تخلط بين عبث الحب وجد الحياة. . . إن أمامك ثروة واسعة، ومدينة من الذهب شاسعة، وإنك تشتهي أن تكون صاحبها، فأقدم بحزم، ولا تتلف أطماعك بهذا الحب الطارئ؛ فإن كنت في عرض الدنيا زاهداً، فأحب كما ينبغي أن يكون الحب. . . هب الحب كل قلبك فالحب يكره أن يشركه أحد في القلب. . . فإذا أبيت إلا أن تصيب الحسنيين فأعلم أنك من الآن فاشل. . . فأيهما تؤثر أيها الأب: المال، أم الحب والجمال؟!