وطافت برأسه طائفة من الأفكار، ولكنها طافت بسرعة البرق، فقال:(بل الحب، ولا شيء غير الحب. . . الحب الذي ينبغي أن يقهر كل رغبة وأن يسود جميع الأطماع. . .)
- بل آثر أن تستمع إلى نصيحتي، وتذكر ما بعد نشوة الأسبوعين أو الثلاثة الأسابيع من عمر الحب. . .! إنها الخيبة وانعكاس الأمل. . . إنه ما حدث في الأساطير لنميزيس التي لم يحب أحد كما أحبت ولا أكتوى عاشق بمثل ما اكتوت. . . أن التفاني في الحب يعني الفشل فيه. . . والحب الصحيح يعدل الفنوط من جني الثمرة المشتهاة. . . أو لم تحب جولييت؟ أو لم تحب ديدو؟ وهايدي كذلك! وترويلوس؟ ألم يحب حباً طمس رجولته؟
- بلى. . . لقد أحب ترويلوس ولكن تغفلته حبيبته، ويستطيع كل إنسان أن يحب ولا يكون ترويلوس، فليس كل النساء كرسيدز!
- هذا حق، ولكن عدم الإخلاص ليس كله من جانب المرأة، بل لكم النصيب الأوفى فيه. . . فلقد أخلصت إملوجين، فماذا كان جزاؤها؟ ألم يتهمها زوجها أنها صبت إلى أول ضيف انفردت وإياه لأول مرة في غيابه؟ وديدمونا؟ لم خنقها بعلها؟ ألم تكن مخلصة وفية؟ وأوفليا؟ ألم تجنّ بإخلاصها؟ إنه يبدو لي ألا سعادة في الحب إلا في خاتمة القصة الإنجليزية! أما هذه الدنيا السحرية ففي ذهبها وجمالها وفتنتها وخيراتها سعادة محسّة لا مراء فيها. . . سعادة يسع كل أحد أن يهنأ بها ويرشف ما شاء من معينها. . .
وارتبك الحَبْر الجليل قليلاً ثم قال:(أوه! كلا. . . إن كل هذه الدنيا بجميع ما حوت من حطام لا يمكن أن تؤدي إلى السعادة!)
- إذن ما الذي يستطيع أن يجعلك سعيداً أيها الأب؟ ما المعين الذي لا ينضب، الذي تنشد منه سعادتك؟ لن تقول ألا معين لك، فلكل من الناس معينه الخاص!
وغلب الحَبْر خباله الديني فأجاب: (قد يبحث الإنسان عن سعادته فيعييه البحث، ذلك لأننا نبحث عنها دائماً في هذه الأرض، وهي لا تكون إلا في السماء!!
- صه، ويلك! إنك تقول بلسانك ما ليس في قلبك. . . إنها تعاليمكم التي لم تستطع أن تشفي أطماعكم في هذه الدنيا. . .! إذا لم يكن شيء من السعادة حقاً في هذا العالم الفاني فلم جاهدت أن تكون قساً وجاهد أصحابك معك؟ لم طمعتم في حطام هذا الفناء وتشبثتم به؟
- ذلك لأني لم أطّهر من شوائب آدميتي، فإن لي كما لجميع الناس أطماعاً. . .