يقدر، فلقد سحقته السينورة لأنها عرفت من مآسي الحياة ما لم يعرف القس، وبلت من تجاريبها ما لم يبل. . . وذلك أنه ما كاد يرفع عقيرته بالاحتجاج حتى غلبه هواه، وسجد مرة أخرى تحت قدميها يستعطف كالتلميذ الذليل. . . لكنها وصلت سخريتها به فقالت له:
- ولم لا تضحي حبك أيها الأب ما دام زيفاً وبهتاناً!
- زيف وبهتان؟ أتريدين أن تقولي أن حبي لك زيف؟
- زيف وأي زيف!! وإلا، فافرض أنني حنثت في سبيلك بيميني أن أكون إلى الأبد مخلصة لزوجي وفية لاسمه الذي حملت، وأنني زللت لأرضي حبك وأشفي لوعتك، فهل ترضى إذا أخرجت من هذا البيت أن تذهب معي فنقف أمام المذبح لتعلن للملأ أنك رضيتني زوجة لك. . .؟ أنا. . .؟ هذه المقعدة التي لا يسندها في فؤادك إلا مسحة من الجمال تفتنك الآن، ولا تدري ماذا تكون في غد؟ - ولكن الحَبْر الجليل لم ينبس ببنت شفة، فقالت مادلين:(ماذا؟ تكلم! ماذا تضحي من أجلي إذن إذا ضحيت لك بكل ما عرفت!؟)
فقال الأب:(لو أنك حرة الآن لرضيتك زوجة لا أرضى بها ملء الأرض ذهباً!)
فقالت مادلين:(لو أنني حرة! أنا حرة! هاأنا ذي حرة! لننطلق إذن من هنا. . . هلم فاحملني إلى دارك! لم تقف جامداً هكذا؟)
لكن الأب لم يبد مع ذاك حراكاً. . .
- آه! لقد خشيت أن تضحي الدنيا الواسعة المترعة بالخيرات من أجل امرأة مقعدة مثلي! إذن فهلم نكون صديقين. . . صديقين فحسب. . . لا تنس هذا. . .)
وانحط على الكرسي القريب منها، ثم تناول يدها الجميلة الساحرة وطفق يقبلها أكثر وأحر مما فعل قبل. . . حتى لكأن الدرس القاسي الذي تلقاه لم يكن له أثر. . . وزاد الطين بلة فقال وهو يبكي: