للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الآراء التي شرحها في كتبه السابقة منذ سنوات.

وفصل الحرب في هذا الكتاب من أبرع الفصول التي كتبها هذا الأديب اللوذعي المطلع القدير، وهو الفصل الذي نلخصه في هذا المقال، ونعتقد إننا - نحن المصريين والشرقيين - خلقاء أن نبحث الحرب من هذه الناحية بعد أن طال حديثنا عنها من نواحيها العرضية التي تجيء وتذهب مع الأخبار، بل لعلنا أحوج ما نكون إلى تدعيم بحوثنا كلها على هذا الأسس وعلى هذه الأصول

يقول هكسلي ما خلاصته أن الحرب ظاهرة إنسانية لا وجود لها في عالم الحيوان، لأن الحيوان يتقاتل في إبان الثورة الجنسية أو طلباً للطعام أو لهوا ولعباً في قليل جداً من الأحايين، وليس من الحرب بالبداهة أن يقتل الذئب الشاة أو تلعب الهرة بالفأر، فإنما هذا شبيه بعمل الجزار حين يقتل ما يطعمه الناس، أو شبيه بعمل الصياد حين يتعقب الثعلب والأرنب. نعلم أن بعض علماء الحياة وعلى رأسهم السير أرثركيت يزعمون أن الحرب كالمنجل في يد الطبيعة تقطع الفاسد وتبقي من أفراد الحضارة وشعوبها كل صالح للبقاء

ولكن هذا كما هذا ظاهر لغو فارغ، لأن الحرب تقضي على الشبان والرجال الأشداء وتترك الضعفاء والشيوخ الذين لا يذهبون إلى الميدان. وقد دلت التجربة على أن اعنف الشعوب وأصلحهم للحرب لم يكونوا قط افضل الشعوب وارفعها في مراتب الأخلاق والثقافة، إذ ليس انفس بني الإنسان وأغلاهم قيمة في معيار الحضارة أوفاهم (نزعة حربية) وضراوة في حومة القتال.

وأوجز ما يقال في هذا الصدد أن الحرب تختار الأفراد على طريقة عكسية فتفني الأقوياء وتترك الضعفاء، وإنها تختار الشعوب على سنة المصادفة والمناسبات الموقوتة، فكثيراً ما تفنى الشعوب المقاتلة وتترك الشعوب الموادعة، وكثيراً ما كان انطباع الأمة على الحرب طريقاً لها إلى الوبال والاستئصال.

والذي يدل اكبر دلالة على أن الحرب أليست طبيعة في الإنسان ولا في الاجتماع إنها لم تظهر في التاريخ إلا بعد ظهور درجة من الحضارة ونوع من الحكومة، فهي مجهولة بين قبائل (الإسكيمو) التي تسكن الأصقاع الشمالية حتى اليوم. وقد كانت مجهولة في أطوار الإنسانية الأولى فلم يعرف عن الإنسان في تلك الأطوار انه اتخذ السلاح للقتال وحب

<<  <  ج:
ص:  >  >>