الغلب والسيادة، إنما كان يتخذ السلاح لدفع الضواري أو لصيد بعض الحيوان
وصحيح أن (تنازع البقاء) قانون قائم في عالم الإنسان كما هو قائم في عالم الحيوان، ولكن من أين لنا أن تنازع البقاء مستلزم داوم الحرب كما ألفناها ونألفها في الحضارات الغابرة والحاضرة؟ ومتى شوهد الحيوان وهو يتجمع مئات وألوفاً ليقاتل بعضه بعضاً من فصيلة واحدة؟ فليس في عالم الطبيعة كلها ظاهرة تشبه اجتماع جيش لمحاربة جيش آخر، ولم يعلم قط أن قطيعاً من الذئاب احتشد الهجوم على قطيع مثله، أو أن سرباً من الطير فعل مثل ذلك على سنة الآدميين في الحروب.
فالقول بان الحرب قانون طبيعي قول لا يستند إلى اصل من الطبيعة الحيوانية في حالي التفرد والاجتماع، إنما هو تفسير خاطئ لقانون صحيح.
إن الآداب الأوربية قد شوهت الأخلاق حتى وهم الناس أن التضحية بالحياة أنبل ما يستطيعه الإنسان، وان الشهيد أي الميت الحسن على زعمهم افصل من الرجل العامل أي الحي الحسن. وعلى خلاف ذلك كانت آداب الشرقيين في الهند والصين، فعند اتباع كنفشيوس أن المغامرة بالحياة لا تليق، وان الحكمة افضل من الشجاعة البدنية، وان العاملين في السلم افضل من العاملين في القتال وان الفضيلة العليا أن يحجم المرء عن الكبرياء والعدوان ويروض نفسه على الوداعة ومجازاة الإساءة بالإحسان
ولما جاء المسيح بدين الوداعة والمسالمة دخلت المسيحية بين شعوب أوربا المقاتلة فجعلوا (الاستشهاد) غاية الغايات في النبل والفضيلة، لأنهم هكذا ينظرون إليه في لآداب العسكرية حتى التبست دعوة السلام بدعوة القتال.
أما في الهند فالحضارة البوذية تأبى العدوان على أحد من الأحياء وتوصي بمحاربة الشر بالكف عن مقابلته بمثله، وهو ما يسمونه عندهم (اهمسا) أي اجتناب الأذى مع الأحياء كافة حتى ما يؤذيه الآخرون طلباً للطعام.
وفي شرع البوذيين أن (الغضب) رذيلة دائماً وان الإكراه محظور في جميع الأحوال، فشاعت البوذية وعمت بين مخالفيها دون أن تلجأ إلى اضطهاد أو جاسوسية أو محكمة تفتيش
وعلى هذا، وعلى ما تقدم من نفي ضرورة الحرب، يسوغ لنا أن نعتقد أن الدعوة إلى إلغاء