الحروب ليست بالدعوة التي تقاوم مجرى الطبيعة أو تعارض تيار السفن التاريخية، وانه من الجائز أن يشيع السلام في وقت من الاوقات، وبخاصة في العصور المقبلة القريبة بعدما استفحل خطر الحرب وتعذرت النجاة منه على المسالمين في البيوت والمقاتلين في خطوط النار.
واستطرد الكاتب إلى إجمال أسباب الحرب فقال ما خلاصته أنها أسباب نفسية قبل أن تكون اقتصادية أو سياسية كما يزعم الاشتراكيون ورجال السياسة، وان كان هذا لا يمنع أن لها أسباباً اقتصادية تعالج بترياق غير ترياق الدماء.
فمن أسباب الحرب الخوف، فهو يدفع إلى الاستعداد، والاستعداد يضطر الأمم إلى الحرب، لأنه يهيئ الأذهان لها بكثرة التوقع والشك في إمكان اجتنابها، وأحرى أن يكون ذلك في العصور الحديثة والبلاد المتحضرة، حيث اصبح السلاح عرضة للتغير والبلى بعد قليل من سنوات، فمن العسير أن تنفق الدول الملايين ثم تلقى بها في التراب.
ومن أسبابها شيوع الملل في الحضارة إذ يشيع الكفر بالأمثلة العليا فتعود الحياة عبثاً ثقيلاً لا غرض له ولا وجهة ولا متعة فيها أمتع من الإهاجة واستفزاز الشعور، والحرب تهيج النفوس فتدفع الملل والسآمة وتقل حوادث الانتحار كما ثبت من إحصاءات علماء النفس وفي طليعتهم دركيم وهلباش.
ومن أسباب الحرب الحرب نفسها حين تهجم أمة على أمة أخرى لانتزاع موقع لازم للتحصين ودرء المخاوف واتقاء الهجوم
ومن أسبابها المجد الكاذب وطغيان الأقوياء وتحويل أنظار الشعوب في الأزمات إلى ما يشغلها عن الثورة والانتقاض
ومن أسبابها التربية القائمة على الإفراط في اتباع النظام فان الإفراط في النظام ينشئ (العقلية العسكرية) ويجني على استقلال الأفراد، فتسهل قيادتهم إلى ما يريده القابضون على أعنة الأمور. ولو تربى الأطفال مستقلين لما استطاع القادة سوقهم إلى المجازر كما تساق الأنعام.
أما الأسباب الاقتصادية والسياسية فهي دون ما تقدم في القوة وصعوبة العلاج، وسنعود إليها والى مناقشة آراء الكاتب في غير هذا المقال