والتوكل الخامل، إلا صور لا تعرفها الأخلاق ولا يفشل أصحابها لأخلاقهم بل يفشلون لفشل أخلاقهم.
وأما هذا الربا الذي جاء في عداد تلك الأخلاق فمسالة اقتصادية عملية، لا خلقية أدبية؛ وهي فكرة اقتصادية، يقرن فيها النظام الإسلامي الكامل الذي قررها بالنظم الاقتصادية الأخرى ليحكم لهذا أو ذاك، وليست تلك المسالة من أسباب الثورة على الأخلاق في شيء
ويعرض الأستاذ الزيات على لسان تلك الثورة أن يكون مقياس الفضائل والرذائل هو النفع والضرر، فما كان مؤديا إلى منفعة سمي فضيلة، وما كان مؤدياً إلى مضرة سمي رذيلة. وهذا مقياس لا يأباه الدين ولا الخلق، فالمذهب المنفعي قديماً وحديثاً معروف بين مذاهب الخير؛ ولكن ليس بهذا اليسر والسهولة التي تفهمها الثورة على الأخلاق وتأخذ فيه باللمحة الطائرة. فما المنفعة المحكمة؟ وما المضرة المتقاة؟ أمنفعة الفرد أم منفعة الأسرة أو الأمة أو العالم؟ المنفعة المادية الحاسية أم المنفعة المعنوية العقلية أم هما أم فرع منهما وما هو؟ المنفعة العاجلة أم المنفعة الآجلة أم هذه وتلك؟ ومتى تكون هذه ومتى تكون تلك؟ وإذا تعارضت منفعة ومضرة فكيف يوازن بينهما وبأي شيء؟ وإذا وجدت منفعتان في عملين فكيف يفاضل بينهما وبأي شيء؟ وإذا وإذا. . . من مضايق شائكة يسلكها الباحث ليخرج منها بمقياس للأخلاق منفعي. وقد انتهى كل أولئك الباحثين على اختلاف ما بينهم إلى أن هناك فضيلة ورذيلة، واحبوا هذه، وثاروا على تلك؛ فلن يكون تحكيم المنفعة منهياً للثورة على الأخلاق. وهأنذا قد حكمت المنفعة فيما مضى من موازنة بين نجاح تاجر الغلال وتاجر المخدرات فلم تخرج النتيجة شاهدة بفشل الأخلاق
وأخيراً يا صاحب الرسالة: اسمح لي أن أحملك رسالة إلى الثائرين. قل لهم: استعدوا للحياة بعد فهمها فهماً صحيحاً قبل أن تلقوا تبعة فشلكم على الأخلاق. ولا تحكموا على الفضائل بعمل الناس فتحكموا بفشل الأخلاق، لأن للفضائل حقائق ثبتت على الاختبار، وأيدتها التجربة بعد بحث لا تزال الإنسانية تمنحه قوتها وجهدها. وانظروا إلى النتائج البعيدة والقريبة للأعمال، ودققوا في الموازنة بين فاشل وناجح فبل أن تحكموا بان هذا فشل لأخلاقه دون غيرها، وهذا نجح برذائله دون غيرها. ولا تظنوا طيبة القلب وسلامة الضمير والبعد عن إيذاء الناس وسائل وأسلحة تكفي وحدها للنجاح كما ظن ظانون أن