للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

دعوى الفضيلة والكرامة التي يحرص مثل هؤلاء على ادعائها. آلام تنتهي بها العملية الحسابية إلى قريب من نتيجتها المطردة؛ وفي الجانب الثاني لذائذ لا يرضى الشريف أن يدع مكانه مستبدلا بها آلام خصمه، ولو ساومته على ذلك لرفض. هذا إذا كان كل الفرق بينهما الأخلاق؛ أما إن وجدت شيئاً وراء ذلك كما هو الكثير الغالب، بل الذي يقع دائماً، من لباقة وحسن بيان، ومعرفة بالرغبات، ومرونة في العمل، وطلاقة وجه، وما إلى ذلك، فقد عادت اللائمة على وخامة الثاني ونقصه لا على أخلاقه، ولم تكن الأخلاق سبيلا إلى الفشل ولا عائقاً عن النجاح

أما دعوى الثورة أن الطيبين القانعين المخصوصين بالرضا لن يستطيعوا أن يكونوا يوماً ما من رجال المال والأعمال كفلان وفلان فدعوى يقول الأستاذ الزيات على لسان أصحابها: ما معنى أن يظل التواضع والقناعة والزهد والمداراة والتوكل على إطلاقها فضائل؛ كما يقول: أليس صلف الإنجليزي ابلغ في العزة، وطمع الفرنسي أليق بالحياة، وطموح الإيطالي اخلق بالرجولة، وصراحة الألماني ادعى إلى الهيبة واستقلال الأمريكي اضمن للفوز؟

تلك هي الدعوى؛ لكن هذا المعنى للفضائل التي عدت معنى لا تعرفه خلقية دينية، ولا تقره خلقية فلسفية؛ فإنما التواضع أن تكون رفيع القدر فلا تتغطرس، وليس التواضع إتضاعاً. وإنما القناعة أن تملك فلا تشره، وليست القناعة ترك مادة الحياة وإفساح الطريق لعاد أو غاصب. إنما الزهد أن تستطيع فلا تنهم، وليس الزهد العجز عما في الدنيا والحسرة على ما في أيدي الناس. وإنما التوكل أن تقدم واثقاً لا أن تحجم عاجزاً. وأما المداراة فما عرفناها بين الفضائل. والخلق والدين يقرران أن صلف الإنجليزي قبيح افضل منه عزة المؤمن الذي يرى العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فحسب. وطمع الفرنسي قبيح أليق منه قيام المتدين وذي الخلق بحق الحياة وواجبها. وطموح الإيطالي مفتعل اصل منه تلك العزة الروحية وهذا الإباء الساعي لإعلاء كلمة الحق، المتقدم إلى الدنيا بمهمة اجتماعية، وعمل إنساني يرغم من اجله ويجهد في سبيله. واستقلال الأمريكي بعض مغامرة الذي يقدم واثقاً بإحدى الحسنيين. وصراحة الألماني بعض شجاعة الذي لا يخشى في الحق لومة لائم. وما هذا الذي يعيب الثائرون من صور التواضع المتضع، والزهد العاجز، والقناعة المحرومة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>