للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما الرواية الثالثة فقد قال فيها أبو الفرج الأصبهاني: اخبرني احمد بن عبد الله بن عمار، قال حدثنا النوفلي علي بن محمد بن سليمان أبو الحسن، قال حدثني أبي قال: كان هشام بن عبد الملك قد اتهم خالد بن عبد الله، وكان يقال له إنه يريد خلعك فوجد بباب هشام يوماً رقعة فيها شعر، فدخل بها على هشام فقرأت عليه، وهي:

تألَّق برقٌ عندنا وتقابلت ... أثافٍ لِقِدْر الحرب أخشى اقتبالَهَا

فدونكَ قِدْرَ الحربِ وَهْيَ مُقرَّةٌ ... لكفَّيك واجعل دون قِدْرٍ جِعَالَهَا

ولن تنتهي أو يبلغَ الأمرُ حدَّهُ ... فَنَلْهَا برْسل قبل ألاّ تنالها

فَتَجْشمَ منها ما جَشمَتْ من التي ... بُسَورَاَء هَرَّتْ نحو حالكَ حالها

تَلاَفَ أمورَ الناس قبل تفاقُم ... بعُقْدَةِ حزمٍ لا تخاف انحلالها

فما ابرم الأقوامُ يوماً لحيلة ... من الأمر إلا قلَّدُوكَ احتيالها

وقد تخْبرُ الحربُ العوانُ بسرِّها ... وإن لم تَبُحْ من لا يريد سؤالها

فأمر هشام أن يجمع له من بحضرته من الرواة فجمعوا، فأمر بالأبيات فقرأت عليهم فقال شعر من تشبه هذه الأبيات؟ فأجمعوا جميعاً من ساعتهم أنه كلام الكميت بن زيد الأسدي، فقال هشام: نعم هذا الكميت ينذرني بخالد بن عبد الله، ثم كتب إلى خالد بخبره وكتب إليه بالأبيات، وخالد يومئذ بواسط فكتب خالد إلى واليه بالكوفة يأمره بأخذ الكميت وحبسه، وقال لأصحابه: أنه بلغني أن هذا يمدح بني هاشم ويهجو بني أمية فأتوني من شعره هذا بشيء فأتوه بقصيدته اللامية التي أولها:

ألا هل عَمٍ في رأيه متأمل ... وهل مدبر بعد الإساءة مقبل

فكتبها وأدرجها في كتاب إلى هشام يقول فيه: هذا شعر الكميت، فإن كان قد صدق في هذا، فقد صدق في ذاك

فلما قرئت على هشام اغتاظ، فلما قال:

فيا ساسة هاتوا لنا من جوابكم ... ففيكم لعمري ذو أَفانين مقول

اشتد غيظه، فكتب إلى خالد يأمره أن يقطع يدي الكميت ورجليه ويضرب عنقه، ويهدم داره ويصلبه على ترابها. فلما قرأ خالد الكتاب كره أن يستفسد عشيرته، وأعلن الأمر رجاء أن يتخلص الكميت، فقال: لقد كتب إلي أمير المؤمنين، وإني لأكره أن أستفسد

<<  <  ج:
ص:  >  >>