تقول انه ينادي دائما بالإذعان للواجب؟ وأي ضمان يطمئن الإنسان على أنه سائر دائماً في طريق الواجب؟ فأجاب بقوله: إن الطريق العملي لتحقق الواجب هو الإذعان لهذا الصوت الداخلي، وإن الضمان المطمئن هو إدمان مراقبة النفس حتى يكشف جميع دواخلها، فإذا حصل للفرد هذا الكشف وصل إلى درجة الحكمة، لأن القلب حينما يقوده الهوى ينسحب إلى الشر دون أن يشعر فيصبح الإنسان يرى ولا يبصر ويسمع ولا يعقل. والعلة في هذا هي أن العواطف والأهواء تسود أعمالنا وتمنعنا من أن نحكم أحكاماً صحيحة على أنفسنا وعلى العالم الخارجي.
أحسب أن الباحث لا يجد عسراً في ربط هذا الجواب الأخير بقول حكيم اليونان الأول:(اعرف نفسك بنفسك) تلك الحكمة التي وجدها (سقراط) - فيما تقول الأساطير الإغريقية - مكتوبة بالذهب على عتبة معبد (دلفى) واستغلها فكان أساساً صالحاً لفلسفته وفلسفة تلميذه العظيم (أفلاطون) بل إنها ظلت تتغلغل ساطعة في غيابات المستقبل حتى كانت أحد أسباب جلال (ديكارت) وخلوده حيث صرح بعد اثنين وعشرين قرناً بقوله: (إني لما كشفت الأنا حملت مصباحه الذي على سناه كشفت كل اللاأنا)
على أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل أن الأستاذ (زانكير) يرى أن فلاسفة اليونان الذين قالوا بمبدأ (اعرف نفسك بنفسك) لم يتنبهوا إلى العقبات التي تعترض سبيل الإنسان عندما يحاول هذه المعرفة، وهو يصرح بأن (كونفيشيوس) إن لم يزد على أولئك الفلاسفة في هذه النقطة فهو من غير شك يساويهم فيها. وبناء على ذلك، فالقائلون بأن (كونفيشيوس) حتى لو كان قد تنبه إلى معرفة النفس بالنفس فإنه قصر في معالجة العقبات الناشئة من هذه المحاولة هم على خطا في هذا الرأي، لأن تلك العقبات لم يعرض لها إلا علماء النفس في العصور الحديثة. وإذن، ففلاسفة الإغريق وحكيم الصين في هذا الموقف متساوون
يختلف (كونفيشيوس) مع (لاهو - تسيه) في وسيلة الوصول إلى الكمال الخلقي، فأما (لاهو - تسيه) فهو يرى أن التأمل النفساني كافٍ لوصول الإنسان إلى الكمال أو إلى تحقيق الانسجام المطلق في جميع حركاته. والانسجام عنده هو المسمى بالسكون الطبيعي الذي لا ينقصنا إلا حينما ننشغل بالظواهر، ومتى فصمنا عرى صلاتنا بها عاد إلينا. أما (كونفيشيوس) فيرى أن من المستحيل قطع صلاتنا بالظواهر الخارجية وإن كل محاولة في