يجب أن تسبق تأدية الواجب، وأن الإرادة البشرية ليست موفقة دائماً لتحقيق الواجب، وإنها تستطيع أن تبتعد عنه، ولكن ليس معنى هذا الابتعاد أن يتغير الواجب، كلا، بل هو كما تبعته الإرادة البشرية أو لم تتبعه، وهذا يدل - كما يرى الأستاذ (زانكير) - على أن قانون الأخلاق هو معتبر في ذاته أو هو مطلق عام لا شخصي مقيد، ولولا ذلك الإطلاق وهذه العمومية لما كان قانوناً أخلاقياً لكل أفراد الإنسانية، بل للسماء والأرض
وعنده أيضاً أن جميع أفراد بني الإنسان متساوون أمام هذا القانون الأخلاقي، وأنه في درجة من الوضوح لا تخفى على أي فرد، لأن العلم به فطري، وهو يرى لذلك أن الواجب لا غاية له إلا ذاته، وأنه إذا لوحظت في تأديته غاية أخرى من منفعة أو لذة أو أية غاية أخرى خرج عن كونه واجباً عاماً وأصبح غير صالح للجميع، لأن الناس يختلفون في غاياتهم الشخصية، فإذا أخضعنا الواجب لبعض تلك الغايات المتباينة لم يعترف به الآخرون الذين ليس لديهم مثل هذه الغايات، وبهذا يفقد كل شئ.
وعنده أيضاً كما عند (كانت) أن العمل إذا قصد به غير وجه الواجب سقطت قيمته الأخلاقية وأصبح نفعياً، وأن اتباع الإرادة للواجب يصيرها سامية فوق اعتبارت الحياة العامية، وإن الحكيم يشعر في داخل نفسه عند أداء الواجب بأقصى أنواع السعادة وهو في كل هذا يقول:(إن الإنسان ذا الأخلاق الكاملة (جين) هو الذي يقدم المتعب المضني على النافع اللذيذ ولا يلتفت عند أداء الواجب إلى ما يستفيده منه) ويقول أيضاً: (إن الإنسان بدون الأخلاق لا يستطيع أن يحتمل الفقر ولا الغنى وقتاً طويلاً. وإن الأخلاقي يجد في الأخلاق كل ترضية وإن الحكيم لا يصيره شرهاً نهماً إلا كنز الفضيلة)
لا ريب أن عدم احتمال الفقر عند غيبة الأخلاق أمر مفهوم لأن من تعوزه فضيلة الصبر يتعذب بمرارة الفقر، أما عدم احتمال الغنى في تلك الحالة فلعل الحكيم يقصد به أن الغنى في حالة فقد الفضيلة خطر لا يحتمله حتى صاحبه. بقي علينا الآن أن نشرح كلمة (جين) الواردة في هذا النص الذي أسلفناه لك كما فهمها المستصينون، ومعناها: الأخلاق، أو الواحد لأجل الجميع، أو الفرد للمجموعة.
وجه بعد ذلك سؤال إلى (كونفيشيوس) من معاصريه قالوا له فيه: كيف يتبع الإنسان الواجب دائما؟ وما هي الوسيلة العملية لتحقق هذا الواجب؟ وما هو ذلك الصوت الذي