للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تحت سماء سنتريس

ما هذا الصوت؟ يا رباه! أفي الحق أني سمعت أمثال هذه النَّبرات على كثرة ما طوَّفتُ في البلاد؟

لا أكذب الحق، هذا جوهر لم أشهد مثله في سنتريس ولا باريس، وإنما هو من جواهر العراق، هو صوت تحدر عن تلك الإنسانة التي قال فيها أحد المفتونين في بغداد:

وكأنَّ رَجْعَ حديثها ... قِطعُ الرياض كسِين زهرا

هو صوت تحدر عن تلك الإنسانة التي قال فيها أحد القدماء:

رُهبانُ مديَنَ والذين عهدتُهم ... يبكون من خوف العذاب قُعودا

لو يسمعون كما سمعتُ حديثها ... خروا لعزةَ ركَّعاً وسجودا

هو صوت ليلى يا بني آدم، ليلى المريضة بالعراق، ولو سمعه الشيخ فلان لسال منه اللُّعاب

ثم انتبهت، فقلت في نفسي: إن ليلى بخير، فهذا الصوت الضعيف يحمل قوة تهد رواسي الجبال

ثم انطلقنا نعدد في شجون الأحاديث، فسألتني عن مصر، وسألتني عن صاحبة الذهبية التي ترسو على الشاطئ الأيمن خلف جسر إسماعيل؛ فعجبت من أن تصل أخباري إلى ليلى وهي مريضة بالعراق، وقلت: إن تلك الإنسانة بخير، ولكنها تركت الذهبية وعادت إلى منزلها بمصر الجديدة، وقد صحا القلب يا ليلى فلم يَعُد بيننا تلاق منذُ ربيع سنة ١٩٣٥ والله المستعان على مكاره الصدود!

فتنهدت ليلى وقالت: حتى أنت تنسى العهود! وماذا خليت لِغُلْف القلوب؟

ومضت تتحدث عن الحياة الأدبية في وادي النيل، وسألتني عن كثير من الأدباء، فكنت أذكرهم جميعاً بما يحبون أن يذكروا به في بغداد، ورأيت أن أكون أميناً في تبليغ التحيات فقلت: إن الأستاذ الزيات يسلم عليك. فقالت: لا أحب أن أسمع اسمه. فقلت: وكيف؟ فقالت: هل تصدق أنه أقام سنين في بغداد ولم يسأل عني؟ فتشجعت وقلت: لعل له عذراً وأنت تلومين! ذلك رجل يتهيب أقاويل المرجفين

واستطردت فقلت: ولعل الدكتور السنهوري قام بالواجب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>