فتنة لولا أن تعهد الأمراء المعزية بتأمين شجرة الدر وعدم التعرض لشخصها. وفي اليوم التاسع والعشرين من ربيع الأول أُخرجت شجرة الدر باتفاق الفريقين من جناحها الملكي واعتقلت في البرج الأحمر أحد أبراج القلعة مع بعض جواريها، وقبض على الخدم الذين اشتركوا في الجريمة وزعيمهم سنجر وصلبوا جميعاً، وأعدم عدة كبيرة من الغلمان والطواشية، وقبض على الوزير الصاحب بهاء الدين بن حنا بتهمة الاشتراك في الجريمة، ولم يفرج عنه إلا بعد أن افتدى نفسه بمبلغ طائل
وأصر الأمراء المعزية بعد ذلك، بتحريض الملك المنصور وأمه، على معاقبة شجرة الدر، واعترض الأمراء الصالحية أياماً؛ ولكنهم كانوا الفريق الأضعف فلم تغن معارضتهم شيئاً. وفي يوم السبت الحادي عشر من ربيع الثاني (أو الجمعة ١٧ منه على رواية أخرى) نفذ المماليك المعزية إلى البرج الأحمر، وقبضوا على شجرة الدر، وحملوها إلى أم الملك المنصور لكي تتولى عقابها بنفسها. وهنا يقول لنا المقريزي (فضربها الجواري بالقباقيب إلى أن ماتت في يوم السبت؛ وألقوها من سور القلعة إلى الخندق وليس عليها سوى سراويل وقميص، فبقيت في الخندق أياماً، وأخذ بعض أراذل العامة تكة سراويلها، ثم دفنت بعد أيام - وقد نتنت وحملت في قفة - بتربتها قرب المشهد النفيسي؛ وكانت من قوة نفسها، لما علمت أنها قد أحيط بها، أتلفت شيئاً كثيراً من الجواهر واللآلئ كسرته في الهاون)
وهكذا زهقت تلك التي لبثت مدى أعوام طويلة زينة البلاط المصري وصاحبة الحول والسلطان فيه؛ وزهقت بنفس الأسلوب المروع الذي زهق بها زوجها الملك المعز؛ وكان القصاص مثيراً ولكن عادلاً، وكان الفصل الأخير مأساة قصر بدأت رائعة باهرة، ثم انحدرت إلى ظلمات الجريمة