للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من ثمانين يوماً

وعادت شجرة الدر امرأة وزوجاً فقط، ولكنها لبثت كما كانت أيام زوجها الأول الملك الصالح سيدة القصر والبلاط، وكان المعز طاغية ظلوماً، ولكنه كان يخشى هذه المرأة القوية التي رفعته إلى الملك، ويصدع بأمرها ووحيها؛ وكانت شجرة الدر كثيرة الغيرة بالرغم من كونها قد جاوزت سن الشباب، فأرغمت المعز على طلاق زوجته الأولى، وكانت تحدث بينهما المناظر العاصفة من وقت إلى آخر. ولما سئم المعز هذه الحياة الزوجية النكدة فكر في اختيار زوجة أخرى، وبعث بالفعل إلى بدر الدين صاحب الموصل يخطب ابنته؛ ولعله لم يكن في الوقت نفسه بعيداً عن التفكير في التخلص من شجرة الدر، والتحرر من نيرها المرهق؛ ولكن شجرة الدر كانت ترقبت حركاته ومشاريعه، فثارت نفسها سخطاً وكبرياء، وأدركت بثاقب فكرها وخبرتها لدسائس القصر أنها إذا لم تبادر إلى التخلص منه، فإنه سيعاجلها بالتخلص منها

فلم تضع وقتاً، ولجأت إلى دهاء المرأة وخديعتها؛ وكان المعز يقيم منذ أيام في مناظر اللوق بعيداً عنها، فبعثت إليه تتلطف به وتدعوه إلى قصر القلعة، فاستجاب إليها المعز؛ وكانت قد رتبت له من غلمانها خمسة ليقتلوه، وعلى رأسهم الخادم سنجر الجوهري. وفي مساء اليوم الثالث والعشرين من ربيع الأول سنة ٦٥٥هـ ركب المعز إلى القلعة، فاستقبلته شجرة الدر بحفاوة، وبعد أن مكث حيناً دخل الحمام فانقض عليه الغلمان الخمسة وهو عار لينفذوا فيه حكم الإعدام الذي أصدرته شجرة الدر. وتنقل الرواية إلينا عن مصرعه روايات مثيرة، فيقال إن القتلة أخذوا بخصيتيه حتى زهق، أو أن شجرة الدر أخذت تضربه بالقبقاب على رأسه وهو يستغيث حتى أجهزت عليه. وعلى أي حال فقد تمت الجريمة وقتل المعز قتلة مروعة بتحريض زوجه الغادرة الخؤون

وحاولت شجرة الدر على أثر ذلك أن تقيم في السلطة أميراً آخر تستتر وراءه في الحكم فلم توفق؛ ونادى الأمراء المعزية بتولية الملك المنصور ولد المعز، وهو يومئذ صبي في نحو الخامسة عشرة، ووافق الأمراء الصالحية على توليته اتقاء الفتنة؛ وامتنعت شجرة الدر بجناحها بالقلعة مع نفر من خدمها وجواريها، وطالب الأمراء المعزية بالقبض عليها، وحاولوا اقتحام الدار فمنعهم الأمراء الصالحية حماية لشجرة الدر، وكادت تقع بين الفريقين

<<  <  ج:
ص:  >  >>