رسائل. وهذا النحو من إظهار استعارة المؤلفين بعضهم من بعض أو تقليد المؤلفين بعضهم لبعض لا يعني أصحاب الاستقصاء من العلماء وحدهم، وإنما يمكن أن يقال في كتبه كلها ما قاله أميل بوترو حين قرأ كتابه الأول:(انه يظهر في هذا الكتاب مفكرا مرويا، ماهرا، نفاذا، فيلسوفا، يمس بدقة غريبة أخفى الفروق. وما بين الأفكار والآراء من صلات)
ولكن أتراه أنفق جهده الضعيف الخصب كله في درس مونتيني؟ ألم ينته إلا إلى طبعه كتاب مونتيني التي ظهرت سنة ١٩٢٢ والتي وصفها أخصائي ماهر هو المسيو هنري شمار فقال إنها توشك أن تبلغ الكمال. كلا. فلنذكر كتابه الذي سماه مصادر الآراء في القرن السادس عشر، أو كتابه عن المصادر الإيطالية لمقالة الدفاع عن اللغة الفرنسية الذي يظهر فيه بين ما أظهر من الغرائب أن القسم الذي يثبت فيه دبيلليه مساواة اللغة الفرنسية للاتينية واليونانية ليس إلا ترجمة من كتاب سبرون سيروني ألفه في مدح اللغة التسكانية. ولنذكر أبحاثه عن دوبينيه وأبحاثه عن مونلوك، وأحدث كتبه الكبرى (مارو ورابليه). فهو قد عنى بروضته وهي هذه الروضة النضرة روضة النهضة الفرنسية، فلم يهمل منها شيئا. ثم هو لم يكتف بخدمة الآداب، وإنما أنفق أعظم جهده المادي والعقلي والشعوري في الإحسان إلى أصدقائه المكفوفين. فعاش كما عاش فالنتان هاوى، وبراي، وموريس دي لاسيزيران. وقد أستحق من المكفوفين تقديس ذكراه بكتابه (عالم المكفوفين) وكتابه (تربية المكفوفين) وبإحسانه إليهم في غير انقطاع.
أما حياته الخاصة، أما المعونة التي وجدها عند زوجه بنت أميل بوترو التي تأثرت بوفاء أمها لأبيها، فلم تفارق زوجها يوما واحدا والتي كادت تموت معه يوم ٢٤ أكتوبر، فلا أستطيع أن أشير أليها إلا في خفة وسرعة، وحرص شديد على ما ينبغي من التحفظ. ولكن جميع الذين عرفوا بيير فيلليه وأحبوه يرون من الخير والعدل أن أقول فيه ما قاله مونتيني حين تحدث عن صديقه ايتين دي لابويسي:(إني أعرف كثيرا من الناس يمتازون بأنحاء من الخير والجمال، هذا يمتاز بالعقل، وهذا يمتاز بالقلب، وهذا يمتاز بالمهارة، وهذا يمتاز بالضمير، وهذا يمتاز بالحديث، وهذا يمتاز بعلم، وهذا يمتاز بعلم آخر، أما هذا فقد كان حقا ذا نفس مليئة وكان يستقبل الأشياء كلها أحسن استقبال: نفسا من تلك النفوس التي وسمها القدم بسمة العتق والرقي الصحيح).