والعالم العربي الآن له عواطف قومية جديدة لم تكن لديه قبل سنين، هي نتاج التيار الحديث الذي غمر أوربا وسار منها إلى الشرق، فملأ مشاعرها ألما مما هي فيه، كما ملأها أملا في حياة خير من الحياة التافهة التي يحيونها، ثم التفتوا إلى الأدب القديم فلم يجدوا فيه غذاءهم كافيا، ليس فيه شعر يتغنى بالحرية كما نود، ولا بالقومية كما نحب وإنما هي أبيات مبعثرة مجملة، قيلت لوصف مشاعر غير مشاعرنا وفي مواقف غير مواقفنا. وتلفتنا إلى الأدب العربي الحديث فوجدناه ناقصا كأخيه، لم يسد الفراغ، ولم يكمل النقص، قد أفرط القدماء في الغزل فأفرط المحدثون فيه، وقصر القدماء في وصف المناحي الإجماعية والنزعات القومية فقصر المحدثون فيه، وأصبح ناشئنا لا يجد الغذاء الكافي في القديم ولا في الجديد، فلك الحق أن تطلب من الزعماء وأن تطلب من الرسالة أن تدعوا الكتاب والشعراء أن يلتفتوا إلى وجوه النقص فيكملوها، حتى إذا احتاج الشباب إلى نشيد أو أناشيد وجدها، وإذا وقف موقفا يتطلب قصيدة في معنى من معاني القومية أو الحرية أنطلق بها لسانه، وإذا طرب لمنظر طبيعي في بلاده وجد القصائد قد قيلت فيه واستوفت محاسنه، وهكذا، ولك أن تطلب من كتاب الروايات أن يبحثوا عن نواحي الضعف في الحياة الإجماعية الشرقية، فيجلوها ويعالجوها، وأن يكون لهم نظر صادق في تعرف نفسيات الأفراد والجماعات فيحللوها، وأن يتجه الكتاب الاجتماعيون فيدرسوا أمراض قومهم، ويستخدموا الأدب في الخطب والمقالات تثير مشاعر الناس وتهيجهم، ليتخلوا عن رذيلة، ويستكملوا فضيلة، ويعالجوا نقصا، وينشدوا كمالا
لك الحق أن تنعى على الأدباء أن أكثرهم في الشرق لم يتجه هذا الاتجاه إلا قليلا، وانهم بين أن ينظموا في الأغراض القديمة ولا يحسنوها إحسان القدماء، وبين أن ينقلوا من الأدب الغربي ما فقد روحه، أو لم يتناسب وروحنا. وإلا فأين هو أدبنا القومي؟ وأين التغني بمناظر طبيعتنا؟ وأين الروايات الاجتماعية تصفنا؟ لا شيء من ذلك إلا القليل الذي لا يتناسب ونهضتنا الحديثة
أنا معك في هذا كله - ولكن لست معك في إنكارك: أن يكون الفن للفن، والأدب للأدب، ولست معك في أن تطلب أن يكون الأدب للحياة - فليس من شك في أن القطعة متى