للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهدأت، ثم أخذت أقلب أوراقي في سكون واطمئنان

وبعد نصف ساعة أحسست يداً رفيقة تطرق الباب، فخففت إليه في وقار مصنوع وفتحته بدون أن أسأل عن أسماء الزائرين. وما الحاجة إلى ذلك وأنا أعرف جوهر الزيارة في نصف الليل؟ وليتها كانت زيارة تذكر بالأيام الخوالي حين كنت أدرس الطب في باريس، وحين كنت أترك الباب بلا رتاج لتدخل الصغيرة المحبوبة حين تشاء

إنها زيارة جرداء ستنقضي في السؤال والجواب، وأنا اليوم طبيب مسؤول عن رعاية الحرمات

دخلت جميلة أولاً، وتبعتها ليلى. دخلتا ملفوفتين، مع أن المرأة جميلة جاوزت الستين؛ وشعرت بشيء من الخجل للفقر البادي في غرفة الاستقبال، ثم تماسكت حين تذكرت أن هاتين المرأتين تفهمان بلا ريب أني طبيب غريب وأن الوقت لم يتسع لتأثيث العيادة والبيت

- يا جميلة، ما أسم هذه الوصيفة؟

- اسمها ظمياء، ولكن ما ذنبي عندك يا دكتور حتى تغير اسمي؟

فقلت: لن أذكر أسمك الصحيح في علاج ليلى، لأني لا أريد أن تغتنمي الفرصة فتصبحي علماً على حسابها يا حيزبون!

وأخذت المرأة في اللجاجة ولكني انصرفت والتفت إلى ظمياء

- إيش لون ليلى؟

- بخير، يا دكتور، وقد سرت في روحها البشاشة منذ الوقت الذي رأتك فيه، ولكن في نفسها منك شيء

فقلت وأنا منزعج: وما هو ذلك الشيء؟ أعوذ بالله من كيد الشياطين!

فأجابت: كتب إليها كثير من أدباء مصر يؤكدون أنك أديب ولست بطبيب

فقلت: هؤلاء دساسون، وقد آذوني قبل ذلك أبلغ إيذاء، فقد كنت خطبت فتاة في باريس وطاب لي معها العيش، إلى أن تدخل المفسدون وحدثوها أني متأهل، وأن لي خمسة أبناء. وأنا يا آنستي رجل محسود لا أخطو خطوة إلا وحولي رقباء لا ضمائر لهم ولا قلوب

فقالت: ولكن ليلى رأت في صدور كتبك أنك دكتور في الآداب

<<  <  ج:
ص:  >  >>