للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتيِّ من أشعة الصباح فهم الطير يسقسق ويسأل: (أيتها الفتاة، ماذا أصبت؟) لا، لم يكن الزهر ولا العبير ولا زجاجة عطر، بل هو سيفك المهيب

وجلست أفكر في دهشة: ماذا عسى أن تكون هذه الهدية؟ لم أجد له مخبأ، وإني لأخجل أن أتقلده وأنا حطام متهدم، وإنه ليؤذيني إن ضممته إلى صدري، ولكني سأحمل في قلبي هذا الشرف. . . هذا العبء الثقيل من الآلام. . . هذه الهدية الغالية والآن لم يبق في هذه الدنيا ما أخافه لأنك أنت نصيري. لقد نزعت عن رفيقي الموت، فسأفديه أنا بروحي. إن سيفك معي لأحطم به قيودي فلا يبقى في هذه الدنيا ما أخافه

سأنزع عن نفسي - منذ الآن - زخرف الحياة؛ ولن أتوارى بعد - يا مليك القلب - في ركن أبكي، ولن أستحي أو أرقق من خلقي فأنت قد حبوتني سيفك لأزين به فلن أتحلى بسواه من زينة الحياة

ما أجمل سوارك وقد زينته النجوم، ورصعته كواكب الحلية؛ غير أن سيفك أحلى منه في عيني وهو يلمع كأنه جناح طير فينشو المقدس، وقد انتشر في أشعة الغروب الحمراء، إنه يضطر كأنه آخر أحاديث الحياة حين يسيطر الألم على الإنسان في ساعة الاحتضار فيذهله عن نفسه؛ ثم هو يتألق كأنه شعاع الوجود الطاهر حين يرسل شرارة حامية فتلتهم كل العواطف الأرضية

ما أجمل سوارك وقد زينته كواكب الحلية! غير أن سيفك - يا إله الرعد - قد رصع بجمال باهر يفوت الوصف ويفوق الخيال

- ٥٣ -

لن أطلب إليك شيئاً؛ ولن أذكر اسمي عند مسمعيك. وحين تنأى عني سأقف في صمت. لقد كنت لدى البئر وحدي والظل وارف، والفتيات ينطلقن إلى دورهن، يحملن جرارهن المترعة؛ لقد نادينني: (تعال معنا، إنه يضنيك أن تنتظر من لدن الصباح حتى الظهر) غير أني ترددت حيناً ثم ذهلت عن نفسي وسط الخواطر المضطربة

ما سمعت دبيبك حين جئت، وكان في نظراتك الأسى حين وقع بصرك علي، وكان في صوتك أثر الأين والتعب حين قلت: (آه، إنني مسافر ظمآن) ففزعت عن أحلامي لأصب الماء في كفيك، فحفت الأوراق من فوقنا، وانبعث شدو الطير يمزق سكون الظلام، وفاح

<<  <  ج:
ص:  >  >>