نزغ بين نفر من أقاربه، فهو ذاهب لإصلاح ذات بينهم، وإحلال الصفاء محل الجفاء فيهم؛ ثم أوصاها بالقصر، وحذرها - في تلطف - من مغادرة بابه، حتى يؤوب. . . ووعدته أن تكون عند ظنه بها، وفية له، حفية به، عاملة على ما فيه رضاه!
وسافر صادق علي. . . واستطاعت زبيدة أن ترسم الخطة للقاء عمران. . . وكلمته حين أمنت مكر الخدم وقت غدائهم، خلال (مشربية) مشرفة على الحديقة، فاتفقا أن يزورها في زي امرأة (!) وأن يعد لذلك كوثاً أحمر وملاءة سوداء ونقاباً. . . وأن يتخذ اسماً مستعاراً، وليكن (مرسينه). . . ولم يكن أحد من الخدم يعرف من هي هذه السيدة مرسينه التي تريد لقاء سيدتهم، ولكنهم لم يشكوا قط في إحدى زائرات القصر، ولهذا كانت الخادم، بعد إذ تقدم أكواب الشاي المعطر، أو أقداح القهوة العربية، للسيدة مرسينه، تنسحب من الطابق كله. . . فيخلوا الجو للحبيبين المشوقين!!
ومضى الأسبوع على أحسن حال بينهما من تساقي الحب وتشاكي الهوى، وبلّ أوار القلوب، ثم جاء رسول من لدن صادق علي يحمل رسالة من مولاه، أن قد شجر خلاف آخر، وأنه قاض أسبوعاً آخر عند أهله. . .
وفرح عمران أيما فرح. . . وطفر قلب زبيدة. . . وما كان أجمل عمران وهو يبث حبه إلى فتاته، وهو يعانقها في شدة وحرارة ويقول:(أسبوع أخر؟ وما سبعة أيام يا زهرة حياتي وننفصل بعدها، وتقبل الشفتان الكريهتان فتقطف القبل الحلوة المعسولة من فمك الرقيق الدقيق، وينحط الصدر البغيض الميت فوق صدرك الناهد الأغيد، وتنقلب السلاسل الذهبية التي تربط قلبينا بأغصان الورد فتؤذي قلبك بأصفاد من حديد؟!)
بيد أن صادق علي أنجز أعماله في ثلاثة أيام أو نحوها، وأقبل يحث المطي عبر الصحراء، فوصل قبل ميعاده. . . وصل والمحبان يرشفان كؤوس الهوى، ويتبادلان سلافة الحب، فلما أقبل الزوج مشوقاً إلى لقاء زوجه، نظر فوجد الكوث الأحمر لدى الباب، فلبث قليلاً، وجعل يروح ويجيء، وينتظر بجدع أنفه أن ينصرف الزائر فلا ينصرف. . ثم يسأل الخادم فيعلم أنها امرأة تدعى مرسينة (تطيل اللبث يا مولاي عند سيدتي، وتحضر إلى هنا كل يوم. . . و. . . و. . .)
ويمضي الرجل المسكين فيدخل إلى الحمام ليذهب عنه غبار السفر