ولكن زبيدة مع ذاك جعلت تشحب وتشحب، ويذبل جسمها ويضوي، وأبوها القاسي يرى ذلك فيحزن، ثم يواسيها بكلمة جافة فتبدي له الرضى. حتى إذا كانت ليلة الزفاف، وخرجت الفتاة من الحمام، وسيقت إلى سجن زوجها، أخذت تودع الحديقة عن كثب، وترمق هيكل الحب المقدس تحت ظلال البرتقال، وتذرف العبرات الحرار، وفاطمة الخبيثة تشهد ولا تتصدع، بل تبسم وتتفكه. . . وتزغرد وتغني. . .
ومضت الأيام. . . ولم يأل صادق علي جهداً في ملاطفة زبيدة ومداعبتها، ولم يترك حلية من ذهب أو ماس أو لؤلؤ إلا اشتراها لها مهما كان ثمنها. . . ولكن الفتاة كانت مع ذاك تشحب وتشحب، ويشتد شحوبها. . . لأنها لم تنس عمرانها الفتى الجميل الذي زاد جماله وتضاعف حبه بازدياد كراهتها لصادق علي. . .
ولم يكن الشيخ العجوز يسمح لزبيدة بمغادرة باب القصر. . . حتى ولو إلى الحديقة الواسعة الفيحاء التي تحيط به، فكانت تصعد إلى السطح، لتتنسم أخبار حبيبها في أديم السماء، ولتنشق عبير الحب القديم على أجنحة الذكريات!
فبينا هي على السطح يوماً إذا بها تسمع موسيقى حلوة في حديقة القصر، وإذا الموسيقى إرنان ناي كناي حبيبها. . . فأطلت لترى من صاحب الناي، فوجدت بستانياً يجمع الأوراق المتناثرة فوق عشب الحديقة. . . وكأنما جذبته روحها اللهفانة فرفع رأسه إلى السطح. . . والتقت الأعين. . . وعرف كل حبيبه
لقد عمل عمران بستانياً لدى صادق علي. . . لينشق الهواء الذي تنشق منه سالبة لبه، وساكنة قلبه. . . وهو مع ذاك لا يحلم بلقائها. . .!
ودارت الأرض مرة أخرى. . . واستيقظت آمال وأحلام!
وكان يحس عمران هذه اللحظة السعيدة التي يرى فيها كل أصيل وجه حبيبته، وتلتقي عيناه بعينيها. . . لكن الحب أجرأ من هذا وأشجع. . . وهو لا يبالي أن يسلك سبل الجحيم ليصنع ما صنع يَاوْلو وفرنشيسكارا. . . فتبدلت النظرة فصارت ابتسامة ثم تمتمة، ثم تلويحاً بأعواد من الياسمين. . . ثم محاولة لقاء. . .
ولقي صادق زوجته فشدهه منها تبدل حالها وتدفق الدم الشاب الفتي في خديها. . . وأخبرها أنه مزمع سفراً طويلاً في الصحراء قد لا يعود منه قبل أسبوع، لأن الشيطان