سيكون دقيقا في المؤتمر الطبي، لأن المؤتمرين سيسألون عن الصور الفلسفية والأدبية لفحولة الرجال في أخيلة النساء، ولكن لا بأس فهي فرصة طيبة لشرح آراء شيث بن عربانوس في هذه القضية. على أني سأجد مفاتيح هذا السر المدفون حين أقف على قصة الضابط عبد الحسيب، وربما كان من الخير أن أرجع إلى البحث الممتع الذي نشره الدكتور عبد الواحد بك الوكيل عن أثر الحب في الأمراض العصيبة).
- دكتور! ماذا تكتب؟
- اسمعي يا بلهاء.
- هذا جزاء من يصنع الجميل!
- أستغفر الله! إنما أردت أن أقول اسمعي يا ظمياء. أنا يا بنيتي أقيد ملاحظات تنفعني في مداواة ليلى؛ ومرضها كما تعلمين عصيب، وأحب أن أستعد لمداواتها أتم استعداد، والله المعين.
(ولكن ألا يمكن أن يقال إن ليلى مرضت في صباها بالغفوة الروحية، ولم تفق إلا في الثامنة والعشرين؟ ومن يصدق حديث الغفوة الروحية؟ لقد كنت الطبيب الوحيد الذي استكشف هذا المرض الخبيث، وألقيت عنه محاضرة في باريس بعد أن أديت الامتحانات النهائية في الطب، ثم نشرت خلاصة بحثي في المجلة الطبية المصرية، ولم أظفر، واأسفاه، بغير السخرية يواجهني بها زملائي في مصر، ويراسلني بها أساتذتي في باريس).
- دكتور، ألا ترى كيف أقفقف من البرد؟
- اسمعي يا بلهاء، فما عندي لك دفء.
(وما الذي يمنع من انتهاز هذه الفرصة الثمينة، فرصة انعقاد المؤتمر الطبي في بغداد، لإعلان نظرية الغفوة الروحية بطريقة دولية؟ إن الشواهد تحت يدي، فأنا أعرف ناسا بأعيانهم انخرطوا في سلك الكهنوت وهم شبان، وعاشوا عيش الطهر والعفاف إلى سن الثلاثين. ثم استيقظت أرواحهم فجأة فهربوا من الكنائس والصوامع وأقبلوا على الدنيا إقبال المنهومين، ومنهم صديقي فلان الذي عرفته في حانات مونمارتر سنة ١٩٢٧ وصديقي فلان الذي عرفته في مرقص الكوبول سنة ١٩٣٣، ولكن كيف أقول هذا الكلام في المؤتمر الذي يعقد في بغداد وأنا أشتغل بالتعليم في بغداد؟ الخطب سهل: أنا أتكلم في المؤتمر باسم