الوادي جنة تري من تحتها الأنهار، والدنيا من حوله في جحيم الصيف. . .
غبت في تأملي وأنا على شاطئ البحر فلم ينبهني إلا المطر يساقط على وجهي ويديّ، فنظرت فإذا السحب قد نسجت في السماء ليلاً آخر، وإذا المطر يهبط بشدة، ثم يستحيل بردا طياشا؛ ثم تهب الريح وتجن الطبيعة جنونها، فتنطلق تعول وتولول، وتنتف شعرها، وتحطم كل ما بلغته يدها، فماجت نفسي واضطربت كهذا البحر الذي يزمجر ويلكم صخور الشاطئ حتى تكل سواعده، فيستلقي على الرمال فلا تكون إلا لحظة حتى ينزل سوط الرياح على ظهره دراكا، فيهب فزعاً مرتاعاً، ويعود إلى ضرب الصخر في غير ما طائل، والريح تدير هذه المعركة كلها، تقفز على رؤوس الجبال، وتبعثر البرد يمينا وشمالاً، وتنثر الرياح ثم تجمعها ثم تعبث بها. . .
جنت الطبيعة جنونها، ولكني لم أخفها ولم تكبر في عيني، وإنما ازدريتها وأبغضتها، ما هذه المخلوقة الضعيفة العاجزة التي لا يدري بها أحد من سكان هذا الكون الواسع؟ لقد رأيتها من قمة لبنان نقطة، فكيف يراها المشتري؟ وهل يعبأ نجم القطب بثورتها وجنونها. .؟
وانصرفت إلى نفسي أفكر آسفا. . .
إن العام يتصرم وليس حولي صديق أطمئن إليه، وأحمل معه أعباء الوداع، وأشاركه دمعة يذرفها معي على الفقيد الراحل، وبسمة يمنحها هذا المولود الجديد. . .
عرفت أن الصداقة ليس لها وجود، فنفضت يدي منهم ولجأت إلى الطبيعة أتخذها صديقي المخلص وأوليها حبي وقلبي فكانت هذه هي النتيجة. صادقت مجنونة طياشة بكاشة لا تعرف إلا التخريب والتدمير وتجهل ما هو الحق، وما هو الشعور؟
أهذا كل ما لي عندك يا صديقتي؟ ألجأ إليك في ساعة من أحرج ساعات حياتي قد تركت فيها أهلي وعفت صحبي لألقى بنفسي في أحضانك، وأخفي وجهي بين ثدييك، وأنشق عبيرك الطاهر، وأغتسل بدموع محبتك وعطفك، وأدفن آلامي في صدرك، فلا تلفينني إلا بهذا الجنون وهذا العويل؟