للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أين هو الشعور؟ وأين أجد العاطفة في الطبيعة؟ أأبتغيها في البركان الهائل المحرق، أم في العاصفة العاتية المدمرة؟

وأين هو الحق في الطبيعة؟

أنا أرى في الطبيعة عاصفة تكسر الأغصان، وتقلع الأشجار؛ وأرى صاعقة تهدم الدور؛ وأرى سيلا يجرف المدن، ويكتسح في طريقه كل شيء؛ وأرى البركان الثائر؛ وأرى الرياح العاتية. كل هذا وجود مادي للقوة، فأين هو الوجود المادي للحق؟

لقد اتضح الأمر، وخسرت صديقتي الطبيعة الجامدة الظالمة الميّتة. . .

فلمن ألجأ؟

لمن ألجأ ويحك يا نفس؟ هذا العام يوشك أن يموت!

فعجزت النفس ولم تجب، وانطلق العقل يتفلسف، قال: إن في الطبيعة لحسّاً وتمييزا، ضع ذرة واحدة من الفحم، وخمسا من الأيدروجين يأخذ الفحم أربعا ويدع الواحدة، ومهما ضاعفت العدد تبقى النسبة ثابتة، أفليس هذا دليلا على أن الجماد يميز؟

وضع الذهب بين عشرة معادن وألق عليه الزئبق فإنه يعانق الذهب ويدع كل ماعداه، أفليس في هذا دليل على أن في الجماد شعورا وعاطفة؟

ولكني لم أنتبه لما قال العقل؟

ونظرت إلى البحر فقلت: ما البحر؟ ما الطبيعة؟ أنا لا أرى إلا هذا العالم المادي؛ ولكن ماذا وراء المادة من عوالم؟ إن الروح أول محطة في طريق هذه العوالم، فهل استطعنا أن نبلغها؟ إن العقل البشري يمشي إليها منذ بدأ صناعة التفكير، ولا يزال في الطريق لم تبن له معالمها. . . إنه تعب وملّ ويئس. . . افتح الآن أي كتاب من كتب (علم النفس) إنك لا ترى في فهرسه اسم الزوج ولا النفس. . .

وفكرت في العام الراحل فقلت: ما هو العام؟ ما وجوده؟ ما حقيقته؟ ولم أسمع جواباً فأغمضت عينيّ كما أغمضت قبة الأعظمية عينيها منذ عام، ولكني لم أحلم ولم أتذكر، وإنما لبثت صامتا محدقا في غير شيء كالأبله أو المشدوه، وتركت عقلي المغرور يتيه وحده في قضاء اللانهاية. . . إنه لا يستطيع أن يعرف شيئا مما وراء المادة. . . كما أن عقل الجنين لا يقدر أن يعلم شيئا عن هذا العالم ولا يؤمن بوجوده. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>