ويطبقون ذلك على النبات والحيوان فيقولون:(وأما النخل فهو آخر مرتبته النباتية مما يلي الحيوانية، لأن بعض أحواله مباين لأحوال النبات. ذلك أن القوة الفاعلة فيه منفصلة عن القوة المنفعلة، والدليل على ذلك أن أشخاص الفحولة منه مباينة لأشخاص الإناث. ولأشخاص فحولته لقاح في إناثها كما يكون ذلك الحيوان)
ثم يقولون:(أعلم أن أدون الحيوان وأنقصه هو الذي ليس له إلا حاسة واحدة وهو الحلزون. . . وهكذا أكثر الديدان التي تكون في الطين في قعر البحر وعمق الأنهار ليس لها سمع ولا بصر ولا ذوق ولا شم)
وإذ يقر إخوان الصفا هذه الحقائق يتقدمون خطوة أخرى جريئة ويساهمون دارون في أن الانتخاب الطبيعي يفني كل عضو لا فائدة للجسم منه، ويوجد الأعضاءالتي تفيد الجسم في تنازع البقاء:(لأن الحكمة الإلهية لم تعط الحيوان عضوا لا يحتاج إليه في جر المنفعة أو دفع المضرة، لأنه لو أعطاها ما لا تحتاج إليه لكان وبالا عليها في حفظها وبقائها)
ويزيدون هذه الفكرة جلاء فيأتونها من ناحية أن الوظيفة توجد العضو فيقولون: وأما السباع الآكلة اللحمان فأن خلقتها وطباعها وتركيب بعض أعضائها الظاهرة والباطنة وأمزجتها وشهواتها مخالفة لما عليها الحيوانات الآكلة العشب. وذلك أن الباري لما خلقها وجعل غذاءها من اللحمان جعل لها أنياباً صلاباً ومخالب مقوسة، قوية وأزنادا أيد متينة، ووثبات خفيفة تستعين بها على قبض الحيوانات)
بعد هذا يتقدم إخوان الصفا بجرأة ويقررون:(إن شهوة البقاء وكراهية الفناء هما أصل وقانون لجميع شهوات النفوس المركوزة في جبلتها، وأن تلك الشهوات هي أصول وقوانين لجميع أخلاقها وسجاياها) وهكذا يبين إخوان الصفا في هذه الجملة الفذة أن جميع الغرائز الحيوانية هي أداة التنازع على البقاء الذي يظهر في شطريه: التنازع على حفظ الذات، والتنازع على حفظ النوع: ليس هذا فقط بل يرجعون بالأخلاق والسجايا الإنسانية إلى هذين الحافزين الأكبرين. وهي في الحقيقة نظرة في الغاية من النفوذ والإصابة، فالأخلاق والمزايا الإنسانية ما كانت لتنشأ وتشتد لو لم يكن التنازع على البقاء وحفظ النوع أقوى الحوافز الإنسانية. واليك جميع الفضائل والأخلاق الإنسانية، افحصها فحصا مدققا وجردها من النظرة التيولوجية فتجد أنها جميعها تمت إلى حفظ النوع وحفظ الذات بسبب شديد