وإذا ما انتهى إخوان الصفا من تقرير هذا القانون على ذلك النحو من الشمول والإجمال عادوا إلى التفصيل فقالوا:(أما علة شهوة الجماع المركوزة في الجبلات فهي من أجل التناسل، والتناسل من أجل بقاء الصورة في الأشخاص المتواترة. .)
وهم - كعلماء النشوء - لا يبالون أن ينزلوا بإحساس الجمال من منزلة الرفيع ويحسبوه أداة تسخرها القدرة لحفظ النوع، فيقولون على لسان الحيوان معارضاً ومناظراً الإنسان:(وأما الذي ذكرت أيها الأنس من حسن الصورة وافتخرت بهعلينا فليس فيه شيء من الدلالة على ما زعمت بأنكم أرباب ونحن عبيد، إذ كان حسن الصورة شيئا مرغوبا فيه عند أبناء الجنس الواحد من الذكور والإناث ليدعوهم ذلك إلى الجماع والتناسل لبقاء النسل، وذكر أننا لا نرغب في محاسن إناثكم ولا إناثنا في محاسن ذكرانكم، كما لا يرغب السودان في محاسن البيضان). ولا يفوتنك في آخر القطعة الطريفة إشارة الأخوان إلى أن الجمال أمر نسبي يقدره الناس تقديرا متباينا. ونظرية نسبية الجمال نظرية مشهورة يقول بها كثيرون من الباحثين في فلسفة الجمال
وكما يحسب الإخوان أن الغريزة الجنسية مسخرة لحفظ النوع كذلك هم يقررون أن الحواس مسخرة لحفظ الذات فيقولون:(قصد الله وغرضه في الحيوانات ليس عقوبة لها وعذابا بل حثا لنفوسها على حفظ أجسادها وصيانة لها، ولو لم يكن ذلك كذلك لتهاونت النفوس بالأجساد وخذلتها وأسلمتها إلى الهلاك. . . فلهذه العلة جعلت الآلام والأوجاع للحيوان لتمكنه من البقاء أما بالحرب أو بالهرب)
وبعد أن يفرغ إخوان الصفا من هذا القانون - قانون تنازع البقاء - وذكر وسائله وأدواته يعودون فيقولون: إن هذا التنازع لا يكون الفوز فيه إلا للأصلح، أما الضعيف فيجب أن يفنى أمام القوي:(لأنه لما كان بعض الحيوانات أتم خلقة وأكمل صورة جعلت النفس الناقصة خادمة ومسخرة للتامة، وجعلت أجسادها غذاء ومادة لأجساد الناطقة منها وسببا لبقائها لتبلغ أتم غاياتها). أما الغرض من ذلك كله (فهو النفع الكلي والصلاح العام، وان كان يحصل في ذلك أضرار جزئية. مثال ذلك أن الشمس تشرق وتغيب للمنفعة العامة، ولكن قد يكون في ذلك ضرر يقع على أناس مخصوصين)
إلا أن إخوان الصفا لا يقفون عند هذا الحد ولا يكتفون بالقول بأن قانون التنازع وحده أداة