الرقي والنشوء أيضا، بل هم كعلماء النشوء يحسبون أن التعاون لا يقل شأنا في مضمار التقدم والنشوء عن التنازع. فهم يقولون: إن ما جعل في طباع بعض الحيوانات من الألفة والأنس والمودة هو ليدعوها إلى الاجتماع والمعاونة لما فيه من صلاحها وكثرة منافعها.
هذه لمحة موجزة في آراء إخوان الصفا النشوئية، وهي على كل حال لا تمثل إلا ناحية ضيقة من هذه الآراء التي يبثها إخوان الصفا في رسائلهم المعروفة. والذي لا يزال حريا بالدرس من آرائهم هو شيء كثير. وإنني لعلى رجاء بأن تغري هذه الصفحات قارئها بالنظر في رسائل الإخوان، فأنه - وأنا الكفيل - سيأخذ أجوره نقدا صحيحا لا زيف فيه. لست أنكر أن قسما كبيرا من هذه الرسائل صحراوات لافحة لا ظل فيها ولا ماء. ولكنني، من جهة أخرى، أستطيع أن أقول: أن الواحات تنتشر في هذه الصحارى انتشارا كبيرا، فلا يعدم القارئ في سيره واديا هنا أو واحة هناك يستظل أفياءها ويتبرد بنسيمها وينهل من مائها فيستجمع قواه ويعاود السير كأقوى ما يكون. وبذا يفيد فائدتين: فائدة أنه يأخذ نفسه برياضة تعوده السير الطويل المتعب، وأخرى أنه يشهد آفاقا لا عهد له بها ولم تطأها قدماه من قبل فيما نعتقد.
ولعلنا، إذا أفسحت لنا (الرسالة) الغراء صدرها، عائدون إلى إخوان الصفا ومفصلون لك آراءهم في كثير من المسائل كعلم النفس والتربية والأخلاق، فأن لإخوان الصفا في هذه النواحي آراء هي في الغاية من الطرافة والإصابة.