إذن فيم تقوم (الحياة المثلى)؟ أفي الزراعة وحكمة الأقدمين كما يقول (غاندي)؟ أم في السرور كما يزعم (ماتيو أرنولد)؟ أم في العمل بالتئام مع إرادة حاكم الكون كما يردد (زينو)؟ أم في النشاط الفكري الدائر حول أسمى موضوعات الفكر - وهو الله - كما يؤكد (أرسطو)؟ أم في إشباع الحاجات الطبيعية دون إفراط أو تفريط كما يطالب (سبنسر)؟ أم في التأمل في الجمال المطلق كما يسمو (أفلاطون)؟ أم في حياة الفضيلة كما نصح الرواقيون؟، أم في الحياة الطبيعية البعيدة عن العلم والفن كما صرح (روسو)؟ أم في أداء الواجب فحسب كما ألح (كانت)؟
تلك جمعياً تصورات (للحياة السعيدة) فيها من التشابه والاختلاف الشيء الكثير. ولقد حاول (ديوي) في نزعته الاجتماعية الجارفة أن يدلي برأيه في الموضوع فقال: (إن السعيد من الناس هو من ينظر إلى قوى نفسه من ناحيتها الاجتماعية فلا يدبر أمراً أو يرغب فيه إلا بالإشارة إلى أثره في الجماعة التي هو جزء منها. ذلك أن سعادته إنما تقوم في تنمية (النشاط الاجتماعي) دون النظر إلى ما عسى أن يكون في ذلك من لذة أو ألم) ومعنى ذلك أن الإنسان - مهما سما في الفكر أو اغتنى بالمادة - لا يستطيع أن يتذوق السعادة الحقة إلا في ظل الجماعة التي هو جزء منها، والتي لها عليه واسع الفضل وعظيم النعمة؛ وليست هذه النزعة في الواقع إلا صدى لتيار (الديمقراطية) الذي أغرق بأمواجه المدوية الجارفة خرافة (التفريق بين الناس)، وحمل (الشعب) على ظهره إلى فردوس الكرامة والرقي!
وماذا عسى أن تكون هذه الديمقراطية؟ وماذا عسى أن تكون تطبيقاتها في التربية؟
أما هي فيعرفها (ديوي) بأنها (حكم الشعب لأجل الشعب وبالشعب)! ويفسرها بأنها اشتراك الأفراد في المصالح العامة بحرية تامة وفي دائرة الخير العام؛ هذا بينا يعرّفها (باستور)(بأنها النظام الذي يمكن الجميع من تحقيق أقصى مجهوداتهم).
وأما تطبيقاتها في التربية وفي غير التربية فخطيرة وعظيمة بحيث لا يكاد يتسع لها مثل هذا البحث. . . وحسبك أن تعلم آثارها في نظام الحكومة، ونظام العمل والعمال، ونظام التعليم الشعبي، بل نظام العالم كله كما يتصوره السلميون العالميون لتعلم حقيقة ما أقول:
وهاهو ذا (وولف يشترط في أعمال الفرد الديمقراطي أن (تكون شائقة جذابة وإلا دفعت به إلى الفساد الخلقي)!