وفي الدين وفي القرآن، ويحتدم فيها الجدل بين حكومة عدلي وبرلمان سعد في شأن هو إلى الأدب أدنى منه إلى السياسة؛ وإنها لجلسة ممتعة خليقة بأن تكون في موضعها من كتب الأدب وتاريخ النقد الأدبي.
وليس الكتاب على استواء واحد في أسلوبه؛ ففي المقالات الأولى منه تقرأ رأي الرافعي هادئاً متزناً فيه وقار العلماء وحكمة أهل الرأي ورحابة صدر الناقد البريء؛ فإذا وصلت من الكتاب إلى قدر ما، رأيت أسلوباً وبياناً غير الذي كنت ترى، وطالعتك من صفحات الكتاب صورة جَهْمةٌ للرافعي الثائر المغيظ المحنق، جاحظ العينين كأنما يطالب بدم مطلول، مزبد الشدقين كالجمل الهائج، منتفخ الأنف كأنما يشم ريح الدم، سريع الوِثاب كأن خصماً تراءى له بعدما دار عليه طويلاً فهو يخشى أن يفر، وهو هنا يعني طه حسين وحده!
وليس عجيباً أن ترى هذين اللونين من النقد لأديب واحد بين دفتي كتاب؛ فإن هذه المقالات وإن صوَّبتْ إلى هدف واحد قد اختلفت دواعيها وأسبابها ومن كُتبت له؛ وقد كان بينها في التاريخ الزمني سنوات وسنوات، والكاتب المتجدد لا يثبت على لون واحد من عام إلى عام.
على أنك تقرأ للرافعي من هذا الكتاب رأيه في طريقة تدريس الأدب بالجامعة غداة تأليفها سنة ١٩٠٨، فتراه يدعو إلى مذهب جديد في تدريس الأدب، وتقرأ له - من الكتاب نفسه - ردَّه في سنة ١٩٢٦ على طه في طريقته الجديدة لتدريس الأدب، فتراه ينكر عليه هذا الجديد؛ فتعلم من هذا وذاك أن الرافعي لم يكن يعني بحملته أن يناهض كل جديد، بل كانت غايته أن يردَّ إلى الأفواه كل لسان يحاول بدعوى الجديد أن يتنقص من القديم ليخلص من ذلك إلى النيل من لغة القرآن ولغة الحديث ومن تراث أدباء العربية الأولين.
ليس يعنيني هنا أن ألخص رأي الرافعي في الجديد والقديم، فمراجع البحث عن رأيه في ذلك واسعة مستفيضة، إنما قصْدت إلى تعريف هذا الكتاب إلى قراء العربية في عرض موجز ووصف كاشف؛ أما ما دون ذلك فله من شاء من أهل الرأي والنظر، وله مني غير هذا المجال من الحديث.
والآن سأتجاوز الفصول الأولى من الكتاب لأتحدث عن أسلوبه في سائره؛ ويبدأ هذا الجزء