(قال كليلة: أما تضرب لي المثل الذي قلت يا دمنة؟ قال دمنة: زعموا أن سمكة في قدر ذراع. . . . . .) ومضى في اختراعه وتهكمه حتى انتهى إلى رأي دمنة في الدكتور طه حسين. . .
ثم استمر ينقل عن (نسخته الخاصة) من كليلة ودمنة ما يجعله مقدمة القول للتهكم فيما يلي من مقالات في الرد على الدكتور طه حسين، فنشر منها ثمانية فصول طريفة ممتعة في كتاب المعركة. وإن قارئ هذه الفصول الثمانية ليرى فيها لوناً طريفاً من أدب الرافعي، لو أن الظروف واتته لأتمه فأنشأ به في العربية إنشاء جديداً له خطر ومقدار. على أن الرافعي لم يكن يقصد أول ما قصد أن يتمه كتاباً، إنما دفعه إلى إنشاء هذه الفصول السبعة بعد الفصل الأول، ما لقي من استحسان القراء لهذا اللون الجديد من أساليب التهكم في النقد؛ وأحسب أن الدكتور طه حسين نفسه كان معجباً بهذه الفصول الثمانية من كليلة ودمنة مع ما يناله فيها مما يؤلم ويسيء، كما كان يعجب فلان بما ينشر بما ينشر له من الصور الرمزية الساخرة لأن فيها فناً ومقدرة. . .!
وانتهى الرافعي من حديث كليلة ودمنة بعد انتهاء هذه المعركة وظل مهملاً (نسخته الخاصة) ست سنين بعد ذلك، حتى تذكرها في سنة ١٩٣٢ أو ١٩٣٣ في إبان المعركة بينه وبين العقاد حول (وحي الأربعين) فنشر الفصل التاسع منها في البلاغ بعنوان (الثور والجزار والسكين) ثم نشر في الرسالة سنة ٩٣٥ الفصل العاشر بعنوان (كفر الذبابة!) يعني بها مصطفى كمال وحركته الدينية، وفصلاً آخر لا أذكره.
وقد كان في منية الرافعي أن يتم هذه النسخة من كليلة ودمنة يعارض بها كتاب ابن المقفع أو يتمه، ولكنه لم يوفق، وكان في ذلك خير؛ فهذه الفصول في موضعها من الكتب التي نشرت بها اجمل وأخف، وإفرادها بالنشر يحملها على تكلف الصنعة ويباعد بينها وبين أذواق القراء. على أن هذه الفصول لا اتصال بينها في موضوعها بحيث تصلح للنشر متساوقة متتابعة كما تتساوق الفصول والأمثال في كتاب ابن المقفع.
هذا مجمل الرأي وملخص الموضوع في كتاب المعركة تحت راية القرآن وما احتواه. وهو وكتاب آخر اسمه (على السفود) خلاصة مذهب الرافعي في النقد وأسلوبه في الجدال؛