بفضائلها في مقابر منقوشة نقشاً جميلاً، ولابد إنها كانت معتمدة على نفسها ولم تعد من طبقة الخدم، لأننا نجد الأمراء يولعون برسم خدمهم على جدران مقابرهم. كذلك لا نعرف شيئاً عن مركز الكهنة الاجتماعي، وإنما نعرف أن عددهم كان وافراً، وانهم كانوا يعيشون على الهبات التي تقدم إلى المعابد؛ وإن صح لنا أن نذكر تعميماً عن الحياة في المملكة القديمة فإننا نميل إلى القول بأن الأمراء وكبار الموظفين كانوا سعداء الحظ بينما كان الفلاحون تعسين فهم عبيد يلحقون بالضياع الواسعة، وينتقلون من مالك إلى آخر كأنهم جزء لا يتجزأ عن الأرض ليس لهم حقوق على أسيادهم، إذا ارتكب واحد منهم أقل هفوة فالجلد المضني عقابه، وأشد من هذا وأنكى أنه لم يكن لهم سيد واحد بل اثنان، فإذا جاء الفيضان وغطى ماؤه الأرض واصبح العمل في الحقل مستحيلاً لمدة طويلة كان على الفلاح أن يقوم بعمل آخر في خدمة الملك، إذ عليه أن يذهب لينقل الأحجار التي قطعها العمال من المحاجر الواقعة تجاه منف فيشتغل هو وزملاؤه تحت إشراف موظفي الحكومة، وينقلون الأحجار فوق الحقول المغطاة بالمياه إلى حيث يريد الملك أن يبني هرمه، ولم يكن لهذه العملية نهاية فإن أول ما يفكر فيه الملك عند إخلائه العرش هو بناء مقبرة له، فإذا أتمها قبل أن يموت أخذ يحسن ويوسع فيها، وإذا انتهت أيامه فهناك هرم خلفه لابد من بنائه.
وقد اهتم المصريون القدماء كما نفعل اليوم بفيضان النيل، وهذا أمر طبيعي فإن سقطت الأمطار بغزارة على الجبال القائمة في الجنوب الشرقي من مصر خافوا فيضاناً عالياً يهدد حياتهم، ويغرق جزءاً كبيراً من أراضيهم، وإن قلت الأمطار توقعوا فيضاناً منخفضاً يتلوه قحط ومجاعة في البلاد، فكانوا إذا اقترب وقت الفيضان يتحدثون عن النعم التي يغدقها عليهم (نيل طيب) ويبدؤون في البحث عن الوسائل التي يجب عليهم اتخاذها وقت الخطر، إذ كان كل واحد منهم يتأثر بهذا الحادث السنوي - كل حريص على محصوله - أما موظف الحكومة فعليه أن يحسب مقدماً مقدار ما ستأخذه الحكومة من محصول كل شخص، وهذا هو الضريبة الرئيسية. كذلك كان يعد الحازمون من الحكام العدة لإطعام فقراء إقليمهم إذا ما انخفض الفيضان، ويخزنون الحبوب للمستقبل أن كان المحصول اكثر من المتوسط.