يدري بما يقول، ويعرف ما يعني، وهو خريجه وإن لم يجثُ بين يديه، ومعاني أبي تمام في أبيات المتنبي سوافر غير متلثمات، ينطقن بالحق فصيحات.
وعناية حبيب بألفاظه مثل عنايته بمعانيه لا كما جاء في (موازنة الآمدي): (إن اهتمامه بمعاينة أكثر من اهتمامه بتقويم ألفاظه، وأنه إذا لاح له المعنى أخرجه بأي لفظ استوى من ضعيف أو قوي) فإن هذا قول باطل، الحق يعانده، والأدلة تدحضه، وسبك حبيب العجيب يكذبه؛ فليس في العربية شاعر احتفل في المعنى واللفظ معاً احتفال أبي تمام، فهو إذا غزا المعنى العالي أنزله من اللفظ في خير مكان؛ فهو محكم المعنى مرصّن اللفظ (وإذا لم ينهض بالمعنى الشريف الجزل لفظ شريف جزل لم تكن العبارة واضحة، ولا النظام متسقاً؛ وتضاؤل المعنى الحسن تحت اللفظ القبيح كتضاؤل الحسناء في الأطمار الرثة). وفي (العمدة) لابن رشيق قال: (قال بعض من نظر بين أبي تمام وأبي الطيب: إنما حبيب كالقاضي العدل يضع اللفظة موضعها، ويعطي المعنى حقه بعد طول النظر والبحث عن البينة، أو كالفقيه الورع يتحرى في كلامه ويتحرج خوفاً على دينه؛ وأبو الطيب كالملك الجبار يأخذ ما حوله قهراً وعنوة، أو كالشجاع الجريء يهجم على ما يريده لا يبالي ما لقي، ولا حيث وقع)
وقد حقق حبيب جل شعره، وأحكم نظم أكثره، وله المتوسط، وله الرديء، والجيد جيد، والغث غث، فصف كلاً بصفته، ولا تلبس الحسن بالقبيح، وخذ الطيب وذر الخبيث، (وليست إساءة من أساء في القليل وأحسن في الكثير مسقطة إحسانه) كما قال أبو الفرج
قول المقتطف:(وكان مما كسبه كتاب الصولي الذي أراد به الانتصار لأبي تمام على كتاب الآمدي: الموازنة بين أبي تمام والبحتري) فيه تسامح كثير، فقد ألف الصولي كتابه والحسن ابن بشر الآمدي شادٍ لم يجادل ولم يوازن ولم يؤلف شيئاً. وليس في الكتابين دليل على أن أحدهما قصد مناقضة الآخر. فالصولي ينعى على جماعات مقالات لهم زائغة، والآمدي يوازن بين الطائيين وضلعه مع الوليد على حبيب. وممن يعنيهم الصولي أدعياء في الأدب أو علماء من دعاة القديم، والآمدي أديب يكبر الشعراء المحدثين.
المقتطف مجلة أجلها، وكيف لا أعظم صحيفة منشئها علامة العرب ومعلمهم (الدكتور يعقوب صروف) لكنها قالت فقلت.