وكتب على صفحة العنوان:(كتاب جلستان: بقلم العلامة جلستان الفارسي)
وليس العهد بعيداً بكتاب معجم الأدباء، وما أهمل من غلطاته، وحرف من عباراته، وزيد عليه من شرح يتجلى فيه الخطأ والفضول. وقد أخرج للناس في موكب من التشهير والترويج، وهو في الحق حري أن يكون عيباً لمن أخرجه وعاراً على وزارة المعارف التي احتملت التبعة فيه فكتبت على صفحة العنوان:(راجعته وزارة المعارف). وكنت كتبت خمس مقالات في نقد الجزأين الأول والثاني ثم وعدت القارئ أن أعود إلى النقد بعد أن تطبع الأجزاء الأخرى لأبين أهي خير من هذين الجزأين أم مثلهما. ولعلي أفي للقراء بهذا الوعد بعد هذا المطال الطويل. بل كتب الأدب التي بأيدي الطلاب في مدارس الوزارة فيها كثير من الغلط وإذا وقع الغلط والتحريف في مثل هذه الكتب فماذا يرجى من الكتب السوقية التي يتولى نشرها تجار أكبر همهم النفقة القليلة والربح الكثير؟
كان أسلافنا يكتبون الكتب بأيديهم إذ لم تكن عندهم من وسائل الطبع والتصوير ما عندنا. فكان عليهم أن يصححوا كل نسخة من كل كتاب. وقد اضطلعوا بهذا العمل الفادح جهد طاقتهم وبذلوا فيه من فكرهم وعافيتهم ونومهم وراحتهم ما تشهد به آثارهم وأخبارهم. كان المتأدب منهم يقرأ الكتاب على أديب ثقة، ويكتب عليه أنه قرأه على فلان، ويغلب أن يكون الشيخ الذي قرء عليه الكتاب قد قرأه على آخر، وهكذا حتى تنتهي القراءة إلى المؤلف أو الشاعر أو الكاتب. ويكتب هذا السند المتصل على الكتاب فيعلم قارئه أن بيده كتاباً عمدة يطمئن إليه، بل فعلوا هذا في الدواوين المتواترة التي يتداولها الحفظ والنسخ كل حين كديوان المتنبي. وعندنا اليوم نسخ من الديوان تحمل سندها من أبي الطيب إلى سبعة قرون أو أكثر من بعده. وهذا العكبري شارح الديوان في القرن السابع لم يجز لنفسه أن يشرحه حتى قرأه على شيخين من شيوخ الأدب: مكي بن ريان بالموصل، وعبد المنعم بن صباح التيمي بمصر. وقد وضع أسلافنا أصولاً اصطلحوا عليها وسموها (أصول السماع) بينوا فيها كيف يتثبت راوي الخبر أو راوي الكتاب حتى يتحرز عن الغلط جهده.
ومن عجيب ما يروى في هذا ما حدثني به بعض الثقات أن القاضي عياضاً ذكر في كتابه (الإلماع في أصول السماع) أن أبا علي القالي صاحب الأمالي أعار الحكم المستنصر الأموي خليفة الأندلس كتاباً من كتبه وطالت غيبة الكتاب عنه. فلما رد إليه أبطل الرواية