معارفهم، ويفسحوا في ملكاتهم. العلم عسير الهضم، يكد الذهن ويجهد النفس، ففيم مكابدته وشدة المطاولة في تحصيله ما لم تقض بتحصيله ضرورة ملحة قاسية، من إرهاق الولي أو إلحاح الحاجة، أو جموح الشهوة إلى المنصب يعرض الجاه، ويعز في الأهل والصحاب!. فكيف تريدون أن تنفق عندنا كتب العلم للعلم؟!. . . . . .
أما الكتب المقررة للتدريس فهي التي كانت إلى وقت قريب، تدر على أصحابها الكثير بل الذي يستطيعون أن يكاثروا به أعلى مؤلفي الغرب قدراً وأبعدهم صوتاً! ولا أحسب أن هذا الأجداء كله يرجع إلى فضل المؤلفين وحده وعظم تجويدهم لما يخرجون من فنون الكتب، بل لعل شيئاً من ذلك يعود إلى أن هذه الكتب مفروضة فرضاً على العديد الأكبر من تلاميذ المدارس تشتريه وزارة المعارف لهم أو تريدهم على شرائه، وإلا خذلوا في الإمتحان وأفلتتهم الإجازات، أو على الأصح فاتهم التأميل في المناصب الحكومية، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
الواقع أن أكثر الكتب المقررة موف على الغاية من التجويد والإحسان، ولكنها غير مدينة في رواجها إلى هذا التجويد والإحسان. بل هي مدينة في ذلك، مع الأسف الكثير، لأنها مفروضة على التلاميذ فرضاً، ولو قد عدل عنها ما أخرجت المكتبات عشر ما خرج منها على أسخى تقرير. وهذه الحقيقة المرة القاسية ترينا مبلغ حظ العلم والأدب في هذه البلاد.
ومهما يكن من شيء فأن لنا أن تغتبط، ولو قليلاً، إذا نحن قسنا حاضرنا بماضينا القريب، فبين مؤلفينا من يستردون من أثمان مؤلفاتهم ما أخرجوا لطبعها، وفيهم من تفضل عليهم من الربح الكثير أو القليل. وكل الذي نرجو أن تطرد همم الشباب في تحصيل العلم الصحيح، وتتجرد عزائمهم في طلب الأدب العالي، معرضين عن إلتماس هذا الأدب الهين الرخيص. هنالك تنبعث في البلاد الحياة القوية العزيزة، وهناك يجازى العلماء والأدباء بما يكافئ الجهد العظيم.