يدعو نفراً من كبار العلماء والكتاب إلى تغذية الجريدة من وقت لآخر بالمقالات المتخيرة المنتقاة في مختلف أسباب الحياة، واجتعل لهم ذلك الجعالات. ولعله في ذلك كان متهدياً بسنة الصحافة في الغرب.
على أنه لما إشتدت قوة الصحافة في مصر وعظم انتشارها بحكم إطراد الحضارة وكثرة المتعلمين، وإزدياد تتبع الجمهرة للأسباب العامة وشدة إهتمامهاً بها (اضطرت) كبريات الصحف، بنوع خاص، إلى العناية بتجويد تحريرها، وإغزار مادتها، حتى لقد جردت بعض صفحاتها لطريف البحوث في شتى العلوم والفنون، وفوق أنها أضعفت وظائف محرريها أضعافاً. فقد جعلت كذلك تؤجر الكاتبين فيها من غير محرريها بما لم يكن يحلم به أحد من عشر سنوات خلت. هذه حقيقة للأدباء أن يغتبطوا بها، وإذا كان المدى بين حظوظهم وبين حظوظ رصفائهم في الغرب لا يزال فسيحاً، فلهم من الأمل في القريب مزيد إن شاء الله.
بقى الحديث في التكسب بالأدب من طريق نشر الكتب ودواوين الشعر. والذي شهدناه من أعقاب الجيل الماضي ولا نشهد غيره إلى اليوم. أن الكسب من هذه الطريق يكاد يكون مكسوراً على جماعة الوراقين كما قال بحق بعض كبار الكاتبين على إنني أرجو منه أن يأذن لي في إستثناء أصحاب الكتب المقررة للتدريس، فاؤلئك وحدهم المجدودون، أو الذين كانوا مجدودين إلى وقت قريب. لقد كان الأدب عندنا، ولعله لا يزال عند الأكثرين إلى الآن ينتظم في سمط الكماليات، والكماليات عند أكثر الناس ليست حقيقة بأن يخف المرء اليها، اللهم إلا إذا واتته عفواً، أو بغير مشقة ولا جليل إنفاق. فبات بديهاً ألا تنفق كتب الأدب حتى تعود على أصحابها بنفقات طبعها بله الثروة وكرائم الأموال.
أما كتب العلم، فأن العلم يطلب في بلادنا على أن يفضي إلى إحراز شهادة رسمية تقلد محرزها منصباً حكوميا، ً فإذا لم يكن الأمر على هذا فلا كان علم ولا كان تعليم!
هذه حقيقة واقعة أرى إن إنكارها ضرب من الغش والتدليس مشايعة لهوى الجمهور، والعياذ بالله! لعل واحداً في كل ألف من الذين ختموا دروسهم في بلادنا هم الذين يشقون كتاباً علمياً لا تدعوهم إلى شقه حاجة المهنة. نعم لعل في الألف من المتعلمين واحداً أو دون الواحد هم الذين يطلبون العلم ويراجعون مدوناته ليكملوا أنفسهم، وليتزيدوا من