للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والإنكليزية لغة رسمية للتخاطب والمعاملات، وأنشئت عدة صحف يهودية عبرية، وبذلت على العموم مجهودات عظيمة لأحياء الثقافة والتقاليد اليهودية

وهكذا سارت الصهيونية في إنشاء الوطن القومي اليهودي بفلسطين بخطوات سريعة تسدد كل خطوة منها الملايين الطائلة، والسياسة الإنكليزية من ورائها تؤيد جهودها وتحمي مرافقها ومشروعاتها.

وقد بلغ الاحتشاد اليهودي في فلسطين مبلغا عظيما؛ فقبل عهد بلفور لم يكن عدد اليهود بفلسطين يزيد على بضعة آلاف معظمهم من اليهود المحليين، ولكن عددهم حسب إحصاء سنة ١٩٢٢ بلغ ٨٧، ٧٩٤ من مجموع قدره ٧٥٧ ألفا؛ وبلغ حسب إحصاء سنة ١٩٢٩ - ١٤٩، ٥٥٤ من مجموع قدره ٧٩٤، ٩٠٦ آلاف - ويبلغ اليوم حوالي مائتي ألف من مجموع قدره مليون نفس. وأعظم احتشاد يهودي في (مدينة) تل أفيف وهي مدينة يهودية محضة أنشئت على الطراز الأوربي، ويبلغ سكانها اليوم زهاء ستين ألفا. والهجرة اليهودية ما زالت تتدفق على فلسطين بنسبة مزعجة ولا سيما عقب حوادث ألمانيا الأخيرة، حيث اضطرمت خصومة السامية من جديد ولقي اليهود نوبة اضطهاد جديدة شاملة.

وقد يلوح مما تقدم أن الصهيونية قد أحرزت نجاحا لا شك فيه، وان الوطن القومي اليهودي يقوم اليوم في فلسطين على أسس ثابتة، وان حلم هرتسل في قيام دولة يهودية موحدة يسير نحو التحقيق. ذلك أن الصهيونية قد استطاعت من الوجهة الدولية أن تحصل على العهود والمواثيق اللازمة للاعتراف بالوطن القومي اليهودي كوحدة سياسية ذات وجود، وعلى الضمانات الكفيلة بتأييده وحمايته، واستطاعت من الوجهة المادية أن تقوم في فلسطين بطائفة كبيرة من الجهود المادية والإنشائية لإقامة هذا الوطن القومي طبق ما فصلنا. ولكن الحقيقة التي لا ريب فيها هي أن الحركة الصهيونية تقوم من الوجهة التاريخية والدولية على أسس وبواعث فاسدة مضطربة، وجهودها في سبيل إنشاء الوطن القومي اليهودي تسيرها في الواقع عوامل مصطنعة. ثم هي بعد هذه الجهود كلها لا تستطيع أن تطمئن لمصيرها في فلسطين، ولا تستطيع أن تغفل إرادة العرب بعد أن تجلت هذه الإرادة أكثر من مرة قوية متقدمة بتحطيم هذا الصرح اليهودي المصطنع. ذلك أن الصهيونية الحديثة لم تكن مستقلة النشأة، وإنما كانت بالأخص نتيجة لخصومة السامية أو حركات الاضطهاد ضد

<<  <  ج:
ص:  >  >>