وبهره أن يرى إخوانه الرهبان يخلصون في محبتهم للعذراء إخلاصاً عجيباً، ويكرسون حياتهم ونبوغهم وجميع ملكاتهم لخدمة مجدها وتخليد ذكراها. . . فهذا رئيس الدير يؤلف في فضائلها المؤلفات، ويشيد فيهن حسب السنة بأياديها على العالمين وهذا الأخ موريس يتناول مسودات تلك المؤلفات فيسطرهن بيده النابغة الصناع، وبخطه الرائق الشائق على رقوق وكواغد ثم هذا الأخ الإسكندر ينقش فيهن نقوشه، ويرسم تصاويره، فيجعل مليكة السموات جالسة على عرش سليمان، وقد ربضت عند قدميها أربعة أسود ضياغم تحرسها وتسهر عليها، ومن فوق الهالة التي تنعقد بالنور حول رأسها ترف سبع حمامات ورق هن هدايا روح القدس السبع: الخوف، والتقوى، والمعرفة، والقوة، والعدالة، والذكاء، والحكمة، وجلس معها ست عذارى حسان ذوات شعر مغدودن ذهبي: الدعة، والكبرياء، والاعتزال والاحترام، والعذرية، والطاعة. . . هذا وقد سجد عند قدميها شبحان عاريان يشعان نوراً ولألاء، وكانا يمثلان الأرواح الخاطئة، وكانا يتوسلان إلى العذراء أن تدرك أصحابهما برحمتها التي وسعت كل شيء فتمنحهم الخلاص
وقد صور الأخ الاسكندر في صحيفة أخرى أمنا حواء في حضرة العذراء البتول حتى يرى القارئ كيف تتمثل الخطيئة والفداء في حواء الذليلة ومريم الشماء!
ومن أحسن صوره أيضاً صورة بئر المياه الحية، وصورة النبع، والزنبقة، والقمر، والشمس، والجنة المغلقة، وما إلى ذلك مما ورد ذكره في نشيد الإنشاد. . . فهذه، وصورتا بوابة السموات، ومدينة الإله؛ كلها صورت في محبة العذراء ورسمت باسمها
وكان الأخ ماربود كذلك من أطفال مريم المخلصين. . . وكان ما يفتأ ينحت التماثيل من الحجارة فتتشعث لحيته وشعره وأهدابه بغبار الرخام الأبيض، وتنتفخ عيناه وتنهمر مدامعه؛ وبالرغم من سنه المتقدمة، وشيخوخته الضعيفة، فلقد كان ماربود يصل ليله بنهاره في عمل التماثيل في حب مريم لتباركه، وتثبت خطاه نحو الأبدية. . . وكان يمثلها محمولة في محفة، وتتألق على جبينها هالة من أغلى اللآلئ. . . وكان ينصب أكبر النصب في تجعيد ثنايا ثوبها من فوق قدميها ليسترهما. . . القدمين الحبيبتين قدمي العذراء، اللتين قال في صاحبتهما النبي:(حبيبتي أشبه بجنة مغلقة!)