الوسيلة، فكان كل يوم يمضي يزيد في أحزانه، ويضاعف أشجانه
ثم استيقظ صبيحة يوم مشرق وقد بدا في وجهه البشر، وشاع في أعطافه السرور، فانطلق من صومعته إلى الكنيسة فدخلها، وأقفل عليه بابها، ثم لبث فيها أكثر من ساعة من الزمان، وخرج وقت الغداء فلم يغب طويلاً، ثم عاد إليها، وأقفل عليه الباب كما فعل في الصباح. . .
وظل منذ ذلك اليوم يذهب إلى الكنيسة في مثل هذه الساعة التي لا يفكر أحد من الرهبان في الذهاب إليها، لاشتغالهم بما أخذوا به أنفسهم من كتابة ونسخ وتصوير ونحت ونظم. . . وتبدل حال برنابا، فلم يعد يعاوده وجومه، وذهب عنه هذا الحزن الذي كان يلازمه دواماً. . . غير أن سلوكه المفاجئ قد أثار الغرابة والدهش في نفس رئيس الدير، الذي كان واجبه يقضي عليه بمعرفة كل ما يعمل رهبان الدير حتى في سرهم ونجواهم، فصمم أن يعلم من أمر برنابا ما أراد برنابا أن يجعله سراً مكتوماً. . .
ففي إحدى خلوات برنابا، ذهب الرئيس في صحبة زميلين من أكبر رهبانه سناً، ليروا ماذا يصنع أخوهم داخل الكنسية، ووقفوا يلاحظونه من ثقوب في الباب
ما شاء الله!!
لقد شهدوا الراهب المشعبذ وقد (تشقلب!!) أمام صورة العذراء المقدسة، بحيث وضع رأسه ويديه على الأرض، ثم راح يرسل كراته في الهواء ويتلقفها برجليه، ثم يتحوى ويتكور، ويرسل سكاكينه المرهفة ويتناولها في خفة ورشاقة بكلتا يديه، كما كان يصنع في أيامه الخوالي التي أكسبته الصيت والأحدوثة وأطيب الذكر. . ولم لا يصنع؟ أليس بهذا يضع ملكاته وخبرته الفنية وطول دربته في خدمة العذراء كما يصنع رفاقه؟ وما يصنع رفاقه غير هذا؟
لكن رئيس الدير لم يفهم شيئاً من ذلك، ولم يفطن إلى غرض المشعبذ النبيل، بل صاح وصاح معه زميلاه، ولعنوه اشد اللعن بما دنس هذا المكان المقدس واستباح حرمته! لقد كان الرئيس يعرف أن برنابا رجل ساذج مغفل، ولكنه ظن هذه المرة أنه قد فقد صوابه، فاندفع داخل الكنيسة واندفع في إثره زميلاه ليقذفوا به خارجها. . . ولكن! يا للمعجزة! لقد رأوا الصورة المقدسة تتحرك. . تتحرك، وتتقدم نحو برنابا. . . وقد مدت ذراعها الجميلة