ولنأخذ مثلاً ثورة أفلاطون في العهد القديم. هذه الثورة كما يحدثنا الفيلسوف الألماني زللر في كتابه (فلسفة أهل اليونان) الجزء الأول - جمعت بين الفلسفة الطبيعية التي سادت التفكير اليوناني إلى ما قبل سقراط، وجمعت الفلسفة المنطقية التي وجدت في عصره عند السوفسطائيين، وكذلك الفلسفة الأخلاقية التي قال بها سقراط، ففيها يلتئم عنصر الماضي وعنصر الحاضر وكذلك عنصر المستقبل، لأن فلسفة أفلاطون ضمنت الحياة للفلسفات المنطقية والأخلاقية من بعده، الأولى في تلميذه أرسطو والثانية في زعيم الرواقيين كريزيب ومن أخذ عن هذين الفيلسوفين إبان القرون الوسطى من عرب، ورومان، ومسيحيين. وهكذا بعد أن كانت الفلسفة المنطقية من قبل أفلاطون سبيلاً للشعوذة والسفسطة والثرثرة، أصبحت فلسفة محترمة تبغي إقامة العلم والبحث عن الحقيقة المجردة. كذلك بعد أن كانت الفلسفة الأخلاقية من قبله وسيلة لإخضاع الفرد في المجتمع اليوناني أو الدولة الحاكمة، أضحت سبيلاً لتحريره وتقوية إرادته.
ومثل آخر في العهد الحديث: ثورة كانت الألماني فهي قد جمعت بين تيار الماضي - بالنسبة إليه - وهو تيار فلسفة ديكارت حينما يتكلم عن ملكات العقل، وتيار الحاضر - بالنسبة إليه - وهو تيار الفلسفة الإنجليزية الممثل في فلسفة دافيد هيوم لأن (كانت) نفسه يقول أن هيوم (أيقضه من سباته الفكري). ونجد أثر هذا ظاهراً عندما يتكلم كانت في أثر الحواس في نظرية المعرفة؛ أما عنصر المستقبل فهو أن كانت كفل الحياة من بعده لفلسفات تنطق تارة باسم العلم مثل فلسفات أوجست كنت، وكورنوه وفلسفات تنطق باسم المنطق والإلهيات مثل فلسفة لاشلييه وفلسفة بوتروه (اقرأ كتاب أستاذنا العلامة الكبير لاسباكس أستاذ الفلسفة بجامعة كليرمون، ورئيس المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية، والسكرتير السابق للوزير بريان وعنوانه: (المنطق وتطور العالم).
وعليه فالثورة في التفكير هي عنصر للسلام أي التوفيق بين الماضي والحاضر الفكري، ومظهر للتقدم، أي يجب أن تكفل خلق تيارات جديدة للفكر في المستقبل.
أما الآن فلنتحدث عن الثورة (الأخلاقية). الثورة في مجال الأخلاق تتضمن الإقرار بوجود هذا المجال، وتمييزه في نفس الوقت عن المجالات الأخرى كمجال النفس والاجتماع والمنطق، والإقرار كذلك بأن له طبيعة خاصة وأصولاً للتفكير فيه، وإلا أصبح البحث